للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد في مكة فلعل المرط بعد العقد صار إليه صلّى الله عليه وسلم نعم دل أنه بعد وفاة خديجة إنما إشكال في قول عائشة نصفه عليّ إلخ وجوابه أنه يمكن أن يكون قد بات صلّى الله عليه وسلم في بيت الصديق رضي الله تعالى عنه ذات ليلة وكان المرط على عائشة وهي طفلة والباقي لطوله على النبيّ عليه الصلاة والسلام فحكت ذلك أم المؤمنين إذ لا دلالة على أنها حكاية ما بعد البناء فهذا ما يتكلف لصحة هذا القول انتهى وأنت تعلم أن هذا الحديث لم يقع في الكتب الصحيحة كما قاله ابن حجر بل هو مخالف لها ومثل الاحتمالات لا يكتفى بها بل قال أبو حيان إنه كذب صريح وعن قتادة كان صلّى الله عليه وسلم قد تزمل في ثيابه للصلاة واستعد لها فنودي بيا أيها المزمل على معنى يا أيها المستعد للعبادة. وقال عكرمة: المعنى يا أيها المزمل للنبوة وأعبائها والزمل كالحمل لفظا ومعنى ويقال ازدمله أي احتمله وفيه تشبيه إجراء مراسم النبوة بتحمل الحمل الثقيل لما فيهما من المشقة وجوز أن يكون كناية عن المتثاقل لعدم التمرن وأورد عليه نحو ما أورد على وجه الزمخشري ومع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا حاجة إلى غيره كما قيل قُمِ اللَّيْلَ أي قم إلى الصلاة وقيل داوم عليها وأيّا ما كان فمعمول قُمِ مقدر واللَّيْلَ منصوب على الظرفية وجوز أن يكون منصوبا على التوسع والإسناد المجازي ونسب هذا إلى الكوفيين وما قيل إلى البصريين، وقيل القيام مستعار للصلاة ومعنى قُمِ صل فلا تقدير وقرأ أبو السمال بضم الميم اتباعا لحركة القاف وقرىء بفتحها طلبا للتخفيف والكسر في قراءة الجمهور على أصل التقاء الساكنين إِلَّا قَلِيلًا استثناء من اللَّيْلَ وقوله تعالى نِصْفَهُ بدل من قَلِيلًا بدل الكل والضمير لليل وفي هذا الإبدال رفع الإبهام وفي الإتيان بقليل ما يدل على أن النصف المغمور بذكر الله تعالى بمنزلة

الكل والنصف الفارغ وإن ساواه في الكمية لا يساويه في التحقيق أَوِ انْقُصْ مِنْهُ عطف على الأمر السابق والضمير المجرور لليل أيضا مقيدا بالاستثناء لأنه الذي سيق له الكلام وقيل للنصف لقربه قَلِيلًا أي نقصا قليلا أو مقدارا قليلا بحيث لا ينحط عن نصف النصف أَوْ زِدْ عَلَيْهِ عطف كما سبق وكذا الكلام في الضمير ولا يختلف المعنى على القولين فيه وهو تخييره صلّى الله عليه وسلم بين أن يقوم نصف الليل أو أقل من النصف أو أكثر بيد أنه رجح الأول بأن فيه جعل معيار النقص والزيادة النصف المقارن للقيام وهو أولى من جعله للنصف العاري منه بالكلية وإن تساويا كمية وجهل بعضهم الإبدال من الليل الباقي بعد الثنيا والضميرين له وقال في الإبدال من قليل ليس بسديد لهذا ولأن الحقيقي بالاعتناء الذي ينبىء عنه الإبدال هو الجزء الباقي بعد الثنيا المقارن للقيام لا للجزء المخرج العاري عنه ولا يخفى أنه على طرف التمام وكذا اعترض أبو حيان ذلك الإبدال بقوله: إن ضمير نِصْفَهُ حينئذ إما أن يعود على المبدل منه أو على المستثنى منه وهو اللَّيْلَ لا جائز أن يعود على المبدل منه لأنه يكون استثناء مجهول إذ التقدير إلّا قليلا نصف القليل، وهذا لا يصح له معنى البتة ولا جائز أن يعود على المستثنى منه لأنه يلغو فيه الاستثناء إذ لو قيل قم الليل نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه أفاد معناه على وجه أخصر وأوضح وأبعد عن الإلباس وفيه أنا نختار الثاني وما زعمه من اللغوية قد أشرنا إلى دفعه وأوضحه بعض الأجلة بقوله: إن فيه تنبيها على تخفيف القيام وتسهيله لأن قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيها على تفاوت ما شعل بالطاعة وما خلا منها الإشعار بأن البعض المشغول بمنزلة الكل مع ما في ذلك من البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهب وزيادة التشويق وتعقب السمين الشق الأول أيضا بأن قوله استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأن اللَّيْلَ معلوم وكذا بعضه من النصف وما دونه وما فوقه ولا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا [البقرة: ٢٤٩] بل لا ضمير في إبدال مجهول من مجهول كجاءني جماعة بعضهم مشاة ومع هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>