للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب بأنهم علموا ذلك بواسطة مشاهدتهم اختلاف حركات السيارات السبع مع اختلاف أبعادها بعضها عن بعض وذلك أنهم علموا السيارات واختلاف حركاتها وعلموا أن بعضها فوق بعض لخسف بعضها بعضا فقالوا في بادىء النظر بسبع سماوات كل سماء لكوكب من هاتك الكواكب ولا يلزمنا البحث عما قالوا الثوابت وفي المحرك لها وللسبع بالحركة اليومية إذ هو وراء ما نحن فيه. واعترض بأن هذا لا يتم إلّا إذا كانوا قائلين بأن السماء عبارة عن الفلك وأنها تتحرك على الاستدارة ويكون أوجها حضيضا وحضيضها أوجا، ولعلهم لا يقولون بذلك وإنما يقولون كبعض السلف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن السماء ساكنة والكوكب متحرك والفلك إنما هو مجراه وحينئذ فيجوز أن تكون السبع على اختلاف حركاتها وأبعادها في ثخن سماء واحدة تجري في أفلاك ومجار لها على الوجه المحسوس ويجوز أيضا غير ذلك كما لا يخفى وأيضا لو كان علمهم بذلك مما ذكر لقالوا بالتداوير ونحوها أيضا كما قال بذلك أهل الهيئة السالفون لأن اختلاف الحركات يقتضيه بزعمهم لا سيما في المتحيرة، ولو كان العرب قائلين به لوقع في أشعارهم بل لا يبعد أنه لو ذكر لهم ذاكر التداوير والمتممات الحاوية والمحوية مثلا لنسبوه إلى ما يكره. وقيل إنهم ورثوا علم ذلك عن أسلافهم السامعين له ممن يعتقدون صدقه كإسماعيل عليه السلام ويجوز أن يكونوا سمعوه من أهل الكتاب ولما لم يروه منافيا لما هم عليه اعتقدوه ويكفي في صحة التقرير هذا المقدار من العلم وتعقب بأنه على هذا لا تنتظم المتعاطفات المقرر بها في سلك واحد من العلم والأمر فيه سهل، وقيل: نزلوا منزلة العالمين به لظهور دليله وهو إخبار من دلت المعجزة على صدقه به وفيه بعد. وقيل الخطاب للناس مؤمنيهم ومشركيهم وغلب المؤمنون على غيرهم في التقرير المقتضي لسابقية العلم وهو كما ترى. واختار بعض أن العطف على ما يقتضيه الإنكار التقريري فيكون الكلام في قوة قد جعلنا الأرض إلى آخره وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وهو حينئذ ابتداء إخبار منه عزّ وجلّ بالبناء المذكور فلا يقتضي سابقية علم وتعقب بأن العطف على الفعل المنفي ب «لم» أوفق بالاستدلال بالمذكورات على صحة البعث كما لا يخفى فتأمل. وتقديم الظرف على المفعول للتشويق إنه مع مراعاة الفواصل.

وَجَعَلْنا أي أنشأنا وأبدعنا سِراجاً وَهَّاجاً مشرقا متلألئا من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغا في الحرارة من الوهج. والمراد به الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السماوات بالبناء.

ونصب سِراجاً على المفعولية ووَهَّاجاً على الوصفية له، وجوز بعضهم أن يكونا مفعولين للجعل على أنه هنا ما يتعدى إليهما، وتعقب بأنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما وإن قيل السراج الشمس وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة. واختلف في موضع الجعل والمشهور أنه في السماء الرابعة ولم نر فيه أثرا سوى ما في البحر من عبد الله بن عمرو بن العاص. قال: الشمس في السماء الرابعة إلينا ظهرها ولهبها يضطرم علوا.

والمذكور في كتب القوم أنهم جعلوا سبعة أفلاك للسيارات السبع على ترتيب خسف بعضها بعضا أقصاها لزحل والذي تحته للمشتري ثم للمريخ والأدنى للقمر والذي فوقه لعطارد ثم للزهرة إذ وجدوا القمر يكسف الست من السيارات وكثيرا من الثوابت المحاذية لطريقته في ممر البروج، وعلى هذا الترتيب وجدوا الأدنى يكسف الأعلى والثوابت تنكسف بالكل ويعلم الكاسف من المنكسف باختلاف اللون فأيهما ظهر لونه عند الكسف فهو كاسف، وأيهما خفي لونه فهو منكسف. وبقي الشك في أمر الشمس إذ لم يعرف انكساف شيء من الكواكب بها لاضمحلال نورها في ضيائها عند القرب منها ولا انكسافها بشيء من الكواكب غير القمر، فذهب بعض القدماء إلى أن فلكي الزهرة وعطارد فوق فلكها مستدلين عليه بأنهما لا يكسفاتها كما يكسفها القمر وهو باطل إذ من شرط كسف السافل العالي أن يكونا معا والبصر على خط واحد مستقيم وإلّا لم

<<  <  ج: ص:  >  >>