للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس برسول ولا نبي، ويقولون: إن سائر اليهود ظلموه حيث كذبوه أولا ولم يعرفوا مدعاه وقتلوه آخرا ولم يعرفوا مرامه ومغزاه، نعم من اليهود فرقة يقال لهم العيسوية- أصحاب أبي عيسى إسحق بن يعقوب الأصفهاني الذي يسميه بعضهم بعرقيد الوهيم- يزعمون: إن لله تعالى رسولا بعد موسى عليه السلام يسمى المسيح إلا أنه لم يأت بعد ويدعون أن له خمسة من الرسل يأتون قبله واحدا بعد واحد وأن صاحبهم هذا أحد رسله- وكل من هذه الأقوال بعيد- عما ادعاه صاحب القيل بمراحل- ولعله وجد ما يوافق دعواه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

هذا واختلف في زمن رسالته عليه السلام فقيل: في الصبا وهو ابن ثلاث سنين. وفي البحر: أن الوحي أتاه بعد البلوغ وهو ابن ثلاثين سنة فكانت نبوته ثلاث سنين قيل: وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. ثم رفع إلى السماء وهو القول المشهور، وفيه أن أول أنبياء بني إسرائيل يوسف. وقيل: موسى وآخرهم عيسى- على سائرهم أفضل الصلاة وأكمل السلام- وقرأ اليزيدي- ورسول- بالجر على أنه معطوف على كلمة- أي يبشرك بكلمة وبرسول- أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ معمول- لرسولا- لما فيه من معنى النطق. وجوز أبو البقاء كونه معمولا لمحذوف وقع صفة- لرسولا- أي رسولا ناطقا. أو مخبرا بأني. وكونه بدلا من رَسُولًا إذا جعلته مصدرا أي ونعلمه أنى قد جئتكم، أو خبرا لمبتدأ محذوف على تقدير المصدرية أيضا أي هو أني، فالمنسبك إما في محل جر. أو نصب. أو رفع، وقوله تعالى:

بِآيَةٍ في موضع الحال أي محتجا أو متلبسا بآية أو متعلق- بجئتكم- والباء للملابسة أو للتعدية، والتنوين للتفخيم دون الوحدة لظهور ما ينافيها، وقرئ بآيات مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بمحذوف وقع صفة- لآية- وجوز تعلقه بجئت، ومِنْ في التقديرين لابتداء الغاية مجازا، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لتأكيد إيجاب الامتثال لما سيأتي من الأوامر، أو لأن وصف الربوبية يناسب حال الإرسال إليهم، وقوله تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بدل من قوله سبحانه: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أو من آية أو منصوب على المفعولية لمحذوف أي أعني، أو مرفوع على أنه خبر لمقدر أي هي أَنِّي إلخ وقرأ نافع «إني» بكسر الهمزة على الاستئناف، والمراد بالخلق التصوير والإبراز على مقدار معين لا الإيجاد من العدم كما يشير إليه ذكر المادة، والهيئة مصدر بمعنى المهيأ كالخلق بمعنى المخلوق، وقيل: إنها اسم لحال الشيء وليست مصدرا وإنما المصدر الهيء والتهيؤ فهي على الأول جوهر وعلى الثاني عرض، وفسروها بالكيفية الحاصلة- من إحاطة الحد الواحد أو الحدود- بالجسم، والمعنى أنى أقدر- لأجل تحصيل إيمانكم ودفع تكذيبكم إياي- من الطين شيئا مثل الطير المهيأ أو هيئة كائنة كهيئته. والكاف إما اسم- كما ذهب إليه أبو الحسن- في موضع نصب على المفعولية- لأخلق- أو نعت لمفعول محذوف له، وإما حرف- كما ذهب إليه الجمهور- فتتعلق بمحذوف وقع نعتا أيضا لما وقع هو نعتا له على تقدير الاسمية. وقرأ يزيد وحمزة- كهية- بتشديد الياء. وكان ابن المقسم يقول: بلغني أن خلفا يقول: إن حمزة يترك الهمزة ويحرك الياء بحركتها. وقرأ أهل المدينة ويعقوب- الطائر- ومثله في المائدة فَأَنْفُخُ فِيهِ الضمير للهيئة المقدرة في نظم الكلام لكن بمعنى الشيء المهيأ لا بمعنى العرض القائم به إذ لا يصح أن يكون ذلك محلا للنفخ. وذكر الضمير هنا مراعاة للمعنى كما أنث في المائدة مراعاة للفظ قيل: وصح هذا لعدم الإلباس، ووقع في كلام غير واحد كون الضمير للكاف بناء على أنها اسم. ويعود ذلك في الحقيقة إلى عود الضمير إلى الموصوف بها. واعترضه ابن هشام بأنه لو كان كما زعموا لسمع في الكلام مررت- بكالأسد- وبعضهم بأن عود الضمير إليها غير معهود. وقرئ- فيها- فَيَكُونُ طَيْراً حيا طيارا كسائر الطيور.

وقرأ المفضل- فتكون- بتاء التأنيث، ويعقوب، وأبو جعفر، ونافع- طائرا- بِإِذْنِ اللَّهِ متعلق- بيكون- أو-

<<  <  ج: ص:  >  >>