للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ

فَضِيلَةُ الْحَلَالِ وَمَذَمَّةُ الْحَرَامِ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [الْمُؤْمِنُونَ: ٥١] أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَلَالُ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [الْبَقَرَةِ: ١٨٨] وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النِّسَاءِ: ١٠] وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الْبَقَرَةِ: ٢٧٨] ثُمَّ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الْبَقَرَةِ: ٢٧٩] ثُمَّ قَالَ: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) [الْبَقَرَةِ: ٢٧٩] . ثُمَّ قَالَ: (وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الْبَقَرَةِ: ٢٧٥٨] جَعَلَ أَكْلَ الرِّبَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُؤْذِنًا بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ مُتَعَرِّضًا لِلنَّارِ، وَالْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا تُحْصَى.

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِهِ: طَلَبُ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَاحِدًا.

وَلَمَّا ذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرِيصَ عَلَى الدُّنْيَا قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُشَرَّدٍ فِي الْأَسْفَارِ مَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ.

وَأَمَّا الْآثَارُ: فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ «الصِّدِّيقَ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ لَبَنًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ، ثُمَّ سَأَلَ عَبْدَهُ فَقَالَ: تَكَهَّنْتُ لِقَوْمٍ فَأَعْطَوْنِي، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي فِيهِ وَجَعَلَ يَقِيءُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسَهُ سَتَخْرُجُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا حَمَلَتِ الْعُرُوقُ وَخَالَطَ الْأَمْعَاءَ» .

وَكَذَلِكَ شَرِبَ «عمر» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ غَلَطًا فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ وَتَقَيَّأَ، وَقَالَ «سهل التستري» : «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِالسُّنَّةِ، وَأَكْلُ الْحَلَالِ بِالْوَرَعِ، وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى

<<  <   >  >>