للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ: «أَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَقَدْ حَدَثَ لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ فِي الدُّهْنِ» ، وَأَخَذَ «الحسن» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ صَغِيرًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِخْ، كِخْ» أَيْ أَلْقِهَا.

وَتَقَيَّأَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي سَقَاهُ إِيَّاهُ رَفِيقُهُ - وَكَانَ تَكَهَّنَ فَأُعْطِيَ اللَّبَنُ أُجْرَةً لَهُ - وَذَلِكَ خِيفَةً مِنْ أَنْ يُحْدِثَ الْحَرَامُ فِيهِ قُوَّةً مَعَ أَنَّهُ شَرِبَهُ عَنْ جَهْلٍ وَكَانَ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهُ وَلَكِنَّ تَخْلِيَةَ الْبَطْنِ عَنِ الْخَبِيثِ مِنْ وَرَعِ الصِّدِّيقِينَ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَشَدَّ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ كَانَ أَخَفَّ ظَهْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَبْعَدَ عَنْ أَنْ تَتَرَجَّحَ كِفَّةُ سَيِّئَاتِهِ عَلَى كِفَّةِ حَسَنَاتِهِ.

وَإِذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَإِلَيْكَ الْخِيَارُ، فَإِنْ شِئْتَ فَاسْتَكْثِرْ مِنَ الِاحْتِيَاطِ، وَإِنْ شِئْتَ فَرَخِّصْ فَلِنَفْسِكَ تَحْتَاطُ وَعَلَى نَفْسِكَ تُرَخِّصُ وَالسَّلَامُ.

مَرَاتِبُ الشُّبُهَاتِ:

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي إِثْبَاتِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ ; وَالْمُشْكِلُ مِنْهَا الْقِسْمُ الْمُتَوَسِّطُ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ الشُّبْهَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا فَإِنَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ الْكَثِيرُ فَقَدْ يَعْرِفُهُ الْقَلِيلُ فَنَقُولُ:

الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ: مَا خَلَا عَنْ ذَاتِهِ الصِّفَاتُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيمِ فِي عَيْنِهِ، وَانْحَلَّ عَنْ أَسْبَابِهِ تَحْرِيمٌ أَوْ كَرَاهَةٌ.

وَالْحَرَامُ الْمَحْضُ: هُوَ مَا فِيهِ صِفَةٌ مُحَرَّمَةٌ لَا يُشَكُّ فِيهَا كَالْخَمْرِ لِشِدَّتِهِ الْمُطْرِبَةِ وَالْبَوْلِ لِنَجَاسَتِهِ، أَوْ حَصَلَ بِسَبَبٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَطْعًا كَالْمُحَصَّلِ بِالظُّلْمِ وَالرِّبَا وَنَظَائِرِهِ، وَهَذَانَ طَرَفَانِ ظَاهِرَانِ، وَيَلْتَحِقُ بِالطَّرَفَيْنِ مَا تَحَقَّقَ أَمْرُهُ وَلَكِنَّهُ احْتَمَلَ تَغَيُّرَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ «وَالِاحْتِمَالُ الْمَعْدُومُ دَلَالَتُهُ كَالِاحْتِمَالِ الْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ» .

وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ بِأَنْ تَعَارَضَ لَنَا فِيهِ اعْتِقَادَانِ صَدَرَا عَنْ سَبَبَيْنِ مُقْتَضِيَيْنِ لِلِاعْتِقَادَيْنِ.

وَلِلشُّبْهَةِ مَثَارَاتٌ:

الْمَثَارُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ: الشَّكُّ فِي السَّبَبِ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَرِّمِ:

فَإِنْ تَعَادَلَ الِاحْتِمَالَانِ كَانَ الْحُكْمُ لِمَا عُرِفَ قَبْلَهُ فَيُسْتَصْحَبُ وَلَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ غَلَبَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ صَدَرَ دَلَالَةٌ مُعْتَبَرَةٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَلَا يَتَبَيَّنُ هَذَا إِلَّا بِالْأَمْثَالِ وَالشَّوَاهِدِ فَلْنُقَسِّمْهُ إِلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ مَعْلُومًا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ يَقَعُ الشَّكُّ فِي الْمُحَلِّلِ فَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُعْرَفَ الْحِلُّ وَيُشَكَّ فِي الْمُحَرِّمِ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَلَهُ الْحُكْمُ.

<<  <   >  >>