للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَوَظِيفَةٌ أُخْرَى فِي مَصْرِفِ الْمُخْرَجِ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا:

النَّظَرُ الْأَوَّلُ: فِي كَيْفِيَّةِ التَّمْيِيزِ وَالْإِخْرَاجِ: مَنْ تَابَ وَفِي يَدِهِ مَا هُوَ حَرَامٌ مَعْلُومُ الْعَيْنِ فِي غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ فَعَلَيْهِ تَمْيِيزُ الْحَرَامِ ; وَإِنْ كَانَ مُلْتَبِسًا مُخْتَلِطًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ وَالْأَدْهَانِ، أَوْ يَكُونَ فِي أَعْيَانٍ مُتَمَايِزَةٍ كَالدُّورِ وَالثِّيَابِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ أَوْ كَانَ شَائِعًا فِي الْمَالِ كُلِّهِ كَمَنِ اكْتَسَبَ الْمَالَ بِتِجَارَةٍ كَذَبَ فِي بَعْضِهَا، وَكَمَنَ غَصَبَ دُهْنًا وَخَلَطَهُ بِدُهْنِ نَفْسِهِ وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحُبُوبِ أَوِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مِثْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ حَرَامٌ فَعَلَيْهِ تَمْيِيزُ النِّصْفِ، وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُ طَرِيقَانِ:

الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ، وَالْأُخْرَى الْأَخْذُ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَالْوَرَعُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى فَلَا يَسْتَبْقِي إِلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَلَالٌ.

فَأَمَّا إِذَا اشْتَبَهَ دَارٌ أَوْ ثَوْبٌ بِأَمْثَالِهِمْ وَكَانَ فِيهِمَا تَفَاوُتٌ أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ طَالِبِ بَيْعِهَا قِيمَةَ الْأَنْفُسِ وَصَرَفَ إِلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْأَقَلِّ، وَيُوقِفُ قَدْرَ التَّفَاوُتِ إِلَى الْبَيَانِ وَالِاصْطِلَاحِ.

مَسْأَلَةٌ:

مَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَدْرِ: مُوَرِّثُهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَلَامَةٌ فَهُوَ حَلَالٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ مِقْدَارَ الْحَرَامِ بِالتَّحَرِّي.

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَالِهِ كَانَ مِنَ الظُّلْمِ فَيَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِالِاجْتِهَادِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «لَا يَلْزَمُهُ وَالْإِثْمُ عَلَى الْمُوَرِّثِ» .

النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْمَصْرِفِ: فَإِذَا أَخْرَجَ الْحَرَامَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ فَيَجِبُ الصَّرْفُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَارِثِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَيَنْتَظِرُ حُضُورَهُ أَوِ الْإِيصَالَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ زِيَادَةٌ وَمَنْفَعَةٌ فَلِتَجَمُّعِ فَوَائِدِهِ إِلَى وَقْتِ حُضُورِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَالِكٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى عَيْنِهِ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَارِثٍ أَمْ لَا، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ الرَّدُّ فِيهِ لِلْمَالِكِ وَيُوقَفُ حَتَّى يَتَّضِحَ الْأَمْرُ فِيهِ، وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِكَثْرَةِ الْمُلَّاكِ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ وَتَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا.

<<  <   >  >>