للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُصْلِحُكَ فَافْعَلْهُ» ، فَإِذَنْ مَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ فِي الْبَيْتِ لِتَحْسُنَ اعْتِقَادَاتُ النَّاسِ فِيهِ فَهُوَ فِي عَنَاءٍ حَاضِرٍ فِي الدُّنْيَا، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا تُسْتَحَبُّ الْعُزْلَةُ إِلَّا لِمُسْتَغْرِقِ الْأَوْقَاتِ فِي عِلْمٍ بِحَيْثُ لَوْ خَالَطَهُ النَّاسُ لَضَاعَتْ أَوْقَاتُهُ أَوْ كَثُرَتْ آفَاتُهُ.

وَأَمَّا التَّجَارِبُ: فَإِنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ لِلْخَلْقِ وَمَجَارِي أَحْوَالِهِمْ، وَالْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ لَيْسَ كَافِيًا فِي تَفَهُّمِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَإِنَّمَا تُفِيدُهَا التَّجْرِبَةُ وَالْمُمَارَسَةُ، وَلَا خَيْرَ فِي عُزْلَةِ مَنْ لَمْ تُحَنِّكْهُ التَّجَارِبُ، فَالصَّبِيُّ إِذَا اعْتَزَلَ بَقِيَ غُمْرًا جَاهِلًا، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّعَلُّمِ وَيَحْصُلَ لَهُ فِي مُدَّةِ التَّعَلُّمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ التَّجَارِبِ، وَيُحَصِّلَ بَقِيَّةَ التَّجَارِبِ بِسَمَاعِ الْأَحْوَالِ، وَبِالْجَهْلِ يَحْبِطُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ، وَبِالْعِلْمِ يَزْكُو الْعَمَلُ الْقَلِيلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا فُضِّلَ الْعِلْمُ عَلَى الْعَمَلِ. وَقَدْ قَضَى الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي» .

إِذَا عَرَفْتَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْآفَاتِ يَتَبَيَّنُ لَكَ الْأَفْضَلُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ وَالْعُزْلَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.

<<  <   >  >>