للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التَّوْبَةِ: ١١٢] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الْأَنْفَالِ: ٢ - ٤] وَقَالَ تَعَالَى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الْفُرْقَانِ: ٦٣] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَالُهُ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ، فَوُجُودُ جَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَامَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَفَقْدُ جَمِيعِهَا عَلَامَةُ سُوءِ الْخُلُقِ، وَوُجُودُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلْيَشْتَغِلْ بِتَحْصِيلِ مَا فَقَدَهُ وَحِفْظِ مَا وَجَدَهُ. وَقَدْ وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنَ بِصِفَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَشَارَ بِجَمِيعِهَا إِلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ فَقَالَ: «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» وَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . وَذَكَرَ أَنَّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ حُسْنُ الْخُلُقِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنَهُمْ أَخْلَاقًا» وَقَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَخِيهِ بِنَظْرَةٍ تُؤْذِيهِ» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا يَتَجَالَسُ الْمُتَجَالِسَانِ بِأَمَانَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَى أَخِيهِ مَا يَكْرَهُهُ» .

وَأَوْلَى مَا يُمْتَحَنُ بِهِ حُسْنُ الْخُلُقِ: الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى، وَاحْتِمَالُ الْجَفَا، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمًا يَمْشِي وَمَعَهُ أنس، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَذَبَهُ جَذْبًا شَدِيدًا، وَكَانَ عَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ - قَالَ «أنس» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَثَّرَتْ فِيهِ حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبِهِ» - فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ هَبْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ» ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِإِعْطَائِهِ «، وَلَمَّا أَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ إِيذَاءَهُ قَالَ:» اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ «.

حُكِيَ أَنَّ» الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ «قِيلَ لَهُ: مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ؟ فَقَالَ:» مِنْ قيس بن عاصم، قِيلَ لَهُ: «وَمَا بَلَغَ حِلْمُهُ» ؟ قَالَ: «بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي دَارِهِ إِذْ أَتَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ بِسَفُّودٍ عَلَيْهِ شِوَاءٌ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهَا» فَوَقَعَ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَمَاتَ، فَدُهِشَتِ الْجَارِيَةُ، فَقَالَ لَهَا: «لَا رَوْعَ عَلَيْكِ، أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى» .

وَرُوِيَ أَنَّ عليا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ دَعَا غُلَامًا فَلَمْ يُجِبْهُ، فَدَعَاهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَرَآهُ مُضْطَجِعًا، فَقَالَ: «أَمَا تَسْمَعُ يَا غُلَامُ؟» قَالَ: «بَلَى» ، قَالَ: «فَمَا حَمَلَكَ عَلَى تَرْكِ إِجَابَتِي» ؟ قَالَ: «أَمِنْتُ عُقُوبَتَكَ فَتَكَاسَلْتُ» ، قَالَ: «امْضِ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى» .

<<  <   >  >>