للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ تَعَالَى "، وَقَالَ " أكثم ": " دِعَامَةُ الْعَقْلِ الْحِلْمُ، وَجِمَاعُ الْأَمْرِ الصَّبْرُ "، وَقَالَ " معاوية ": " لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ مَبْلَغَ الرَّأْيِ حَتَّى يَغْلِبَ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَصَبْرُهُ شَهْوَتَهُ، وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ إِلَّا بِقُوَّةِ الْعِلْمِ ". وَقَالَ معاوية لعمرو بن الأهتم: أَيُّ الرِّجَالِ أَشْجَعُ؟ قَالَ: مَنْ رَدَّ جَهْلَهُ بِحِلْمِهِ، قَالَ: " أَيُّ الرِّجَالِ أَسْخَى "؟ قَالَ " مَنْ بَذَلَ دُنْيَاهُ لِصَلَاحِ دِينِهِ ". وَقَالَ معاوية لعرابة: " بِمَ سُدْتَ قَوْمَكَ قَالَ: كُنْتُ أَحْلُمُ عَنْ جَاهِلِهِمْ، وَأُعْطِي سَائِلَهُمْ، وَأَسْعَى فِي حَوَائِجِهِمْ، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِي فَهُوَ مِثْلِي، وَمَنْ جَاوَزَنِي فَهُوَ أَفْضَلُ مِنِّي، وَمَنْ قَصَّرَ عَنِّي فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ "، وَقَالَ " أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فُصِّلَتْ: ٣٤، ٣٥] هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُهُ أَخُوهُ فَيَقُولُ: " إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَغَفَرَ اللَّهُ لِي ". وَعَنْ " علي بن الحسين "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَبَّهُ رَجُلٌ، فَرَمَى إِلَيْهِ بِخَمِيصَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: " جَمَعَ لَهُ خَمْسَ خِصَالٍ مَحْمُودَةٍ: الْحِلْمُ، وَإِسْقَاطُ الْأَذَى، وَتَخْلِيصُ الرَّجُلِ مِمَّا يُبْعِدُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَرُجُوعُهُ إِلَى الْمَدْحِ بَعْدَ الذَّمِّ، اشْتَرَى جَمِيعَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٌ ".

بَيَانُ الْقَدْرِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الِانْتِصَارُ مِنَ الْكَلَامِ:

اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ ظُلْمٍ صَدَرَ مِنْ شَخْصٍ فَلَا يَجُوزُ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ، فَلَا تَجُوزُ مُقَابَلَةُ الْغِيبَةِ بِالْغِيبَةِ، وَلَا مُقَابَلَةُ التَّجَسُّسِ بِالتَّجَسُّسِ، وَلَا السَّبُّ بِالسَّبِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعَاصِي، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُقَابَلَةِ التَّعْيِيرِ فَقَالَ: " إِنِ امْرُؤٌ عَيَّرَكَ بِمَا فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا فِيهِ ".

وَقَالَ قَوْمٌ: " تَجُوزُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا لَا كَذِبَ فِيهِ "، قَالُوا: وَالنَّهْيُ النَّبَوِيُّ عَنْ مُقَابَلَةِ التَّعْيِيرِ بِمِثْلِهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُعْصَى بِهِ، قَالُوا: وَالَّذِي يُرَخَّصُ فِيهِ أَنْ تَقُولَ: " مَنْ أَنْتَ، وَيَا أَحْمَقُ،

<<  <   >  >>