للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ أَهْلَ بَيْتٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ» ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِعَائِشَةَ» : «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» .

وَسِرُّ التَّرْغِيبِ فِي الرِّفْقِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ هُوَ كَوْنُ الطِّبَاعِ إِلَى الْعُنْفِ وَالْحِدَّةِ أَمْيَلَ، وَإِنْ كَانَ الْعُنْفُ فِي مَحَلِّهِ حَسَنًا فَإِنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَى النُّدُورِ، وَالْكَامِلُ مَنْ يُمَيِّزُ مَوَاقِعَ الرِّفْقِ عَنْ مَوَاقِعِ الْعُنْفِ، فَيُعْطِي كُلَّ أَمْرٍ حَقَّهُ.

ذَمُّ الْحَسَدِ:

اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ أَيْضًا مِنْ نَتَائِجِ الْحِقْدِ الذَّمِيمِ، وَلِلْحَسَدِ مِنَ الْفُرُوعِ الذَّمِيمَةِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» ، وَقَوْلُهُ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ» وَمِنَ الْآثَارِ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ: «إِنَّ أَوَّلَ خَطِيئَةٍ كَانَتْ هِيَ الْحَسَدُ، حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رُتْبَتِهِ، فَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ، فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ» . وَعَنِ «ابْنِ سِيرِينَ» رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهِيَ حَقِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إِلَى النَّارِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إِلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا» .

حَقِيقَةُ الْحَسَدِ وَحُكْمُهُ وَأَقْسَامُهُ:

الْحَسَدُ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ.

وَثَانِيهِمَا: عَدَمُ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا وَتَمَنِّي مِثْلِهَا، وَهَذَا يُسَمَّى غِبْطَةً، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ، إِلَّا نِعْمَةً أَصَابَهَا فَاجِرٌ وَهُوَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ، كَإِفْسَادٍ، وَإِيذَاءٍ، فَلَا يَضُرُّ مَحَبَّةُ زَوَالِهَا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ آلَةُ الْفَسَادِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْأَخْبَارُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا، وَإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَسَخُّطٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ لَا عُذْرَ فِيهِ وَلَا رُخْصَةَ، وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ تَزِيدُ عَلَى كَرَاهَتِكَ لِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِنْهُ مَضَرَّةٌ؟ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آلِ عِمْرَانَ: ١٢٠] وَهَذَا الْفَرَحُ شَمَاتَةٌ، وَالْحَسَدُ وَالشَّمَاتَةُ يَتَلَازَمَانِ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)

<<  <   >  >>