للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَبِيلِ اللَّهِ " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ عَلِيلٌ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ: "هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ هَذِهِ الْمُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّ فُلَانًا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَبْخَلُ بِمَا لَا يُغْنِيهِ " وَكَيْفَ لَا يَخَافُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا: سُورَةُ الْوَاقِعَةِ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ " فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: "لَعَلَّ ذَلِكَ لِمَا فِي سُورَةِ هُودٍ مِنَ الْإِبْعَادِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هُودٍ: ٦٠] (أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) [هُودٍ: ٦٨] (أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هُودٍ: ٩٥] مَعَ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا إِذْ لَوْ شَاءَ لَآتَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا، وَفِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٢ وَ ٣] (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) أَيْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَتَمَّتِ السَّابِقَةُ حَتَّى نَزَلَتِ الْوَاقِعَةُ إِمَّا خَافِضَةٌ قَوْمًا كَانُوا مَرْفُوعِينَ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا رَافِعَةٌ قَوْمًا كَانُوا مَخْفُوضِينَ فِي الدُّنْيَا.

وَفِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَانْكِشَافُ الْخَاتِمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) [التَّكْوِيرِ: ١٢ - ١٤] وَفِي عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النَّبَأِ: ٤٠] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النَّبَأِ: ٣٨] .

وَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مَخَاوِفُ لِمَنْ قَرَأَهُ بِتَدَبُّرٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طَهَ: ٨٢] لَكَانَ كَافِيًا، إِذْ عَلَّقَ الْمَغْفِرَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ شُرُوطٍ يَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ آحَادِهَا، وَأَشَدُّ مِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [الْقَصَصِ: ٦٧] وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الْأَحْزَابِ: ٨] وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) [الرَّحْمَنِ: ٣١] وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ) [الْأَعْرَافِ: ٩٩] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هُودٍ: ١٠٢] وَقَوْلُهُ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزَّلْزَلَةِ: ٧] الْآيَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [الْعَصْرِ: ١ وَ ٢] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ لِلْخَلَاصِ مِنَ الْخُسْرَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ خَوْفُ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ مَا فَاضَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْمَنُوا مَكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى -: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الْأَعْرَافِ: ٩٩] وَخَوْفُ الْكَامِلِينَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ كَمَالِ الْمَعْرِفَةِ بِأَسْرَارِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَخَفَايَا أَفْعَالِهِ وَمَعَانِي صِفَاتِهِ، فَأَجْهَلُ النَّاسِ مَنْ أَمِنَهُ وَهُوَ يُنَادِي بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الْأَمْنِ، وَكَيْفَ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُ الْحَالِ وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ؟ وَإِنَّ الْقَلْبَ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ فِي غَلَيَانِهَا؛ وَقَدْ قَالَ " مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْكُنُ رَوْعُهُ حَتَّى

<<  <   >  >>