للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ: فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلتَّذَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ أَذِنَ فِي ذَلِكَ بَعْدُ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَفِي خَيْرُ زِيَارَتِهِنَّ بِشَرِّهَا، لِأَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ الْهُجْرَ عَلَى رُؤُوسِ الْمَقَابِرِ، وَلَا يَخْلُونَ فِي الطَّرِيقِ عَنْ تَكَشُّفٍ وَتَبَرُّجٍ وَهَذِهِ عَظَائِمُ، وَالزِّيَارَةُ سُنَّةٌ فَكَيْفَ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِأَجْلِهَا ; نَعَمْ لَا بَأْسَ بِخُرُوجِ الْمَرْأَةِ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ تَرُدُّ أَعْيُنَ الرِّجَالِ عَنْهَا، وَذَلِكَ بِشَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الدُّعَاءِ وَتَرْكِ الْحَدِيثِ عَلَى رَأْسِ الْقَبْرِ.

وَالْمُسْتَحَبُّ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَنْ يَقِفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبَلًا لِوَجْهِ الْمَيِّتِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ وَلَا يَمْسَحَ الْقَبْرَ وَلَا يَمَسَّهُ وَلَا يُقَبِّلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى. قَالَ» نافع «:» كَانَ «ابْنُ عُمَرَ» رَأَيْتُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَجِيءُ إِلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ. السَّلَامُ عَلَى أبي بكر. السَّلَامُ عَلَى أَبِي وَيَنْصَرِفُ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا وَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَقَابِرِ يَقُولُ: «آنَسَ اللَّهُ وَحْشَتَكُمْ، وَرَحِمَ غُرْبَتَكُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَقَبِلَ اللَّهُ حَسَنَاتِكُمْ» . فَالْمَقْصُودُ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلزَّائِرِ الِاعْتِبَارُ بِهَا، وَلِلْمَزُورِ الِانْتِفَاعُ بِدُعَائِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْفُلَ الزَّائِرُ عَنِ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلَا عَنِ الِاعْتِبَارِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِهِ بِأَنْ يَتَصَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْمَيِّتَ كَيْفَ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَكَيْفَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَنَّهُ عَلَى الْقُرْبِ سَيَلْحَقُ بِهِ. وَيُسْتَحَبُّ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَنْ لَا يُذْكَرَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» .

بَيَانُ الْمَأْثُورِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ

حَقٌّ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَدُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ أَقَارِبِهِ أَنْ يُنْزِلَهُ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْتِ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَسَبَقَهُ الْوَلَدُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقَرُّهُ وَوَطَنُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَعْظُمُ عَلَيْهِ تَأَسُّفُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَاحِقٌ بِهِ عَلَى الْقُرْبِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا تَقَدُّمٌ وَتَأَخُّرٌ، وَهَكَذَا الْمَوْتُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ السَّبْقُ إِلَى الْوَطَنِ إِلَى أَنْ يَلْحَقَ الْمُتَأَخِّرُ، وَإِذَا اعْتَقَدَ هَذَا قَلَّ جَزَعُهُ وَحُزْنُهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ فِي مَوْتِ الْوَلَدِ مِنَ الثَّوَابِ مَا يُعَزَّى بِهِ كُلُّ مُصَابٍ، فَعَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ» رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَسِقْطٌ أُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ فَارِسٍ أُخَلِّفُهُ خَلْفِي» وَإِنَّمَا ذَكَرَ السِّقْطَ تَنْبِيهًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَإِلَّا فَالثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ مَحَلِّ الْوَلَدِ مِنَ الْقَلْبِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبُهُمْ إِلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: «أَوِ اثْنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: «أَوِ اثْنَانِ» وَلِيُخْلِصِ الْوَالِدُ الدُّعَاءَ لِوَلَدِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ أَرْجَى دُعَاءٍ وَأَقْرَبُهُ إِلَى الْإِجَابَةِ، وَقَفَ «أبو سنان» عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ مَا وَجَبَ لِي عَلَيْهِ فَاغْفِرْ لَهُ مَا وَجَبَ لَكَ عَلَيْهِ فَإِنَّكَ أَجْوَدُ وَأَكْرَمُ» وَوَقَفَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ بِرِّي فَهَبْ لَهُ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ طَاعَتِكَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَ عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ الْفَجَائِعَ

<<  <   >  >>