للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك المجلات في جميع الممالك الغربية، ويغيرون على المخطوطات العربية في البلاد العربية والإسلامية، فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة التي كانت في نهاية الفوضى، وينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم، وإذ بأعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية تنتقل إلى مكتبات أوربا، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلداً، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم.

وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام (١٨٧٣م) ، وتتالى عقد المؤتمرات التي تلقى فيها الدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته، وما تزال تعقد حتى هذه الأيام.

فقد بدأ الاستشراق إذن منذ دقَّت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوربا العريضة، وكان المسلمون قد احتلوا عرش السيادة الدولية، وملأوا سمع الزمان وبصره وقلبه وسائر مشاعره.

وأخذت أوربا الغارقة في الجهل والتخلف الحضاري يومئذ تبحث عن أسباب نهضة المسلمين، وبلوغهم هذا المجد العظيم الذي بلغوه، وأخذ بعض رجال الكنيسة الأوربيين يدرسون علوم هؤلاء الفاتحين ولغاتهم، لعلهم يظفرون بما يوقفون به مد هذا الفتح الإسلامي، ولعلهم يكتبسون من علوم المسلمين ما ينفعهم في إنقاذهم من تخلفهم، ويفتح لهم أبواب الارتقاء، فكان الاستشراق طلباً لعلوم الشرقيين ولغاتهم وأوضاعهم، وبحثاً عنها.

وفي أعقاب الحروب الصليبية وضعت الخطة لغزو المسلمين بوسائل أخرى غير وسيلة الحرب المسلحة بالأسلحة المادية، واقتضت خطة الغزو الجديد التوسع في الدراسات الاستشراقية، لتكون تمهيداً لهذا الغزو، وإعداداً لشروطه الفكرية والنفسية.

ولما كان المحركون للحرب الصليبية من رجال الكهنوت الأوربيين والعلوم العليا تكاد تكون منحصرة في الكنيسة لديهم يومئذ، كان أوائل

<<  <   >  >>