للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الأفراد، ويندس فيه المحضرون المغرضون، فتلتهب في الجمع ثورة رعناء.

ومن أمثلة العمل على رفع درجة حرارة الانفعالات الجماعية بث الدعايات الملفقة الهمسية، والصحفية، والإذاعية، لشحن نفوس الجماهير بعواطف الميل نحو أمرٍ ما، فالحب له، فالشغف به، وهكذا حتى الدرجات العظمى التي تقرب من مستوى التقديس والعبادة، أو لشحن نفوس الجماهير بعواطف النفور من أمرٍ ما فالكراهية له، فالبغض الشديد، فإعلان العداوة، وهكذا حتى درجة التصميم على الفتك وإثارة الفتن والحروب والتضحية في سبيل ذلك بالأموال والأنفس والثمرات. وحينما تصل درجة حرارة الانفعالات إلى نسبة معينة يأتي دور تنفيذ المؤامرة المدبرة التي أحكم الأعداء التخطيط لها، ولهم عند ذلك ألوان شتى من المكر، فإما أن يقذفوا الجماهير التي هاجها الانفعال إلى فخ معركة خاسرة، أو فتنة مهلكة. وإما أن يدفعوا بهم إلى التسرع في بت أمرٍ يستفيد منه إلا عدوهم، مستغلين فيهم حالة الانفعال العاطفي، التي من شأنها أن تطير صواب الجماهير، وتسلبهم الرشد والتفكير والحكمة والتدبير. وإما أن يعملوا على كشف اتفاق قيادات الجماهير مع العدو، أو إلصاق التهم الكاذبة بهذه القيادات لامتصاص القدرة على التحركات العاطفية التي يمكن أن تجتمع عليها الجماهير، فتجلب للأمة خيراً ومنفعة حسنة، إذا كانت تسيرها وتوجهها قيادة حكيمة مخلصة، ويكون امتصاص القدرة على التحركات الجماعية العاطفية في هذه الصورة بإلقاء الشك في نفوس الجماهير، ومع الشك تنعدم الثقة بالعاملين الموجهين، وتبردُ النفوس، وتجمد عن الحركة، وعندئذ تحقق المكيدة أغراضها.

ومن وسائل تبريد حرارة الانفعالات غمس معظم أفراد الأمة بالأموال والمتع والشهوات والملذات وأنواع اللهب واللعب، ومختلف مرضيات وممتعات الأنفس والحواس، لأن من شأن هذه الأمور أن تطفئ كل وقدة حرارية في النفس يمكن أن تولد عاطفة عامة، لأن السعي وراء إشباع الغرائز الذاتية والشهوات النفسية يبني في الأنفس صروح الأنانيات الفردية وما أشبهها،

<<  <   >  >>