للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعملوا على ترميم القواعد التي تآكلت من بنيانهم، والأسس التي خلخلها المنافقون الذين دخلوا في صفوفهم، عاملين على تقويض كل حقيقة للإسلام، وكل مجد للمسلمين، فكان موقف المسلمين يومئذٍ يحمل خطتين من خطط العمل، على شيء من الضعف في تركيزهما.

الخطة الأولى: خطة الدفاع عن البلاد الواقعة هدفاً للعدو الصليبي، ضمن الإمكانات التي تسمح بها حالة تجميع القوى المبعثرة عند حلول الأزمة.

الخطة الثانية: خطة العمل على إصلاح الداخل الذي نخرت عظامه أسباب الفساد والتخلف والفرقة بين صفوف المسلمين.

وقيّض الله للمسلمين الشهيد نور الدين، ثم البطل صلاح الدين، ثم فيضاً آخر من أبطال المسلمين عرباً وغير عرب، ولم يتم للمسلمين النصر على عدوهم ورد كيدهم إلا بمقدار ما أصلحوا من واقعهم، وقوّموا من معوجهم.

اجتهدوا وجهِدوا في إزالة عوامل الضعف من صفوفهم، فاستجمعوا قوتهم، وردتهم المحنة الكبرى التي أصابتهم إلى الله، فالتجأوا إليه، والتمسوا النصر من عنده، فألهمهم الله أن يحققوا في أنفسهم أسباب النصر، ثم منحهم من فضله التأييد على عدوهم، لما استكملوا من شروطه وأسبابه ما يكفي لتأييدهم بالنصر وفق سنة الله في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

وتم جلاء الصليبيين عن بلاد المسلمين بعد حقبة من الدهر، كانت سياط التأديب الإلهي فيها تصيبهم من كل جانب، وقد لبثوا خلالها بين كر وفر مع عدوين: عدو صليبي محارب، وعدو من داخل الأنفس يغري بالجبن والبخل، وبالدعة واتباع الشهوات، ويغذي بالتحاسد والتباغض والفرقة ومعصية الله والرسول، وبالتثاقل عن كل واجب، وتباطؤ الهمة عن كل إصلاح أو تغيير.

ولدى التأمل في الحكمة الربانية، نرى أن في تسليط جيوش الصليبيين على بلاد المسلمين حينئذٍ لوناً من ألوان التأديب الرباني، الذي رد للمسلمين شيئاً من كيانهم الذاتي، الذي كان به مجدهم واصطفاؤهم على الأمم، والذي كانوا به أمةً وسطاً، وخير أمةٍ أخرجت للناس، ألا وهو كونهم مسلمين حقاً،

<<  <   >  >>