للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي تعلن الجهاد ضد قوى الاحتلال الكافرة الغاشمة الظالمة، ولم يتركوا سبيلاً من سبل العنف العسكري إلا استخدموه ضد مقاومة المسلمين المستمرة لهم، دون أن يظفروا بثمرة الاستقرار فيما احتلوه من بلاد، فاتجهوا إلى تصيد الأفكار التي يمكن أن تُخمد نار المقاومة المتأججة ضدهم، إذا تمكنوا من بثها في أفكار الشعوب المسلمة.

وقد عثروا على فكرة التوكل على الله. وأدركوا أن من الممكن التحريف فيها، والتلاعب بمضمونها، حتى تغدو سلاحاً ضد المسلمين، وبعد أن كانت سلاحاً خطيراً جداً في أيديهم ضد أعدائهم، وهذا التحريف لا يكلفهم أكثر من عملية تعميم في المضمون، يتجاوز حدود مواقع التوكل المطلوب في الإسلام.

إن التوكل على الله كما قرره الإسلام، وفهمه المسلمون الأوائل وطبقوه، وظيفة من وظائف الجانب القلبي الاعتقادي في الفرد المسلم والجماعة الإسلامية، وليس وظيفة من وظائف الطاقات المادية، والقدرات الجسدية، والأعمال التخطيطية والتنفيذية في المسلم، ومتى صح إدراك هذا الفرق لدى الأفراد والجماعات، كان التوكل على الله في الجانب القلبي الإيماني ممداً بقوة معنوية عظيمة، تضاعف القوى المادية العاملة أضعافاً كثيرة، حتى يغلب عشرون مؤمنون صابرون مئتين بإذن الله، والله مع الصابرين. ومن الملاحظ أن أهم عوامل الخذلان التي تمنى بها القوى المادية على كثرتها في الجيوش المحاربة، إنما هي تناقص القوى المعنوية القلبية، التي أثبتت التجارب التاريخية أن في مقدمتها قوة التوكل على الله، فهي أثقل القوى المعنوية على الإطلاق. فالذي يعد العدة، ويستخدم الأسباب، متوكلاً على حدود ما أعد من قوى يظل قلبه قلقاً حذراً جباناً خائفاً من أن تكون قوة عدوه زائدة على قوته ولو بمقدار يسير، وبذلك فقد تنهار قوته، وتفقد أسلحته وأسبابه مضاءها المقدَّر لها، لفقدان الروح المعنوية في قلبه، وأما الذي يعد العدة الكاملة، ويتخذ ما يستطيع من أسباب ويباشر العمل وهو موقن بأن قوة قادرة على كل شيء تدعمه من وراء الحجب المادية، وتشد أزره، فإنه يستطيع أن يستعمل في نضاله وجهاده كل قوته مع حضور القلب وسرعة بديهة، نظراً إلى أنه لم يسمه الخوف الذي يقلق

<<  <   >  >>