للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلوب ويفسد الرؤية الصحيحة للعقول. وما يقال في أعمال القتال يقال نظيره في كل أعمال الحياة.

والتحريف الذي أدخل على معنى التوكل على الله هو تعميم مضمونه، حتى امتد فكان في أفكار بعض المسلمين وظيفة أيضاً من وظائف الطاقات المادية، والقدرات الجسدية، والأعمال التخطيطية والتنفيذية، واستطاع الأعداء أن يستغلوا هذا التحريف لتثبيط المسلمين عن إعداد ما يجب عليهم إعداده من قوى مادية، وصرفهم عن اتخاذ الأسباب الواجبة، وعن مباشرة كل ما من شأنه أن يحقق النتائج وفق سنن الله في كونه، تخدر التصورات الفاسدة لمعنى التوكل طاقات العمل والسعي والتكفير فيهم، وتجعلهم يعيشون في أحلام تحقيق غاياتهم بمعجزات خارقة خارجة عن سنن الحياة المستمرة.

ولا شك أن هذا المفهوم الفاسد لمعنى التوكل على الله يعطل حركة السعي الواجب، لاتخاذ كل الوسائل المادية والمعنوية المستطاعة، التي من شأنها أن تظفر الساعي بالنتيجة المطلوبة وفق سنن الله في كونه، وكانت مكيدة العدو في استخدام هذا التحريف مكيدة خطيرة جداً، أخطر من مكيدة الأفيون الذي نشره المستعمرون في الصين، وقد تضمنت هذه المكيدة سلاحاً ماضياً لصالح العدو.

بينما فهم المسلمون الأولون معنى التوكل على الله فهماً صحيحاً، مقروناً بفهمهم لما يجب عليهم من عمل وجهاد وكفاح، وما يجب عليهم من اتخاذ أتم الوسائل المستطاعة لبلوغ الغايات، ومقروناً بفهمهم لسنن الله في كونه، القائمة على الأسباب، ثم تأتي المعونة الإلهية من وراء اتخاذ الأسباب المأمور بها، ولذلك لم يترك المسلمون الأولون سبيلاً من سبل العمل المستطاعة لهم إلا أخذوا به، ولا سبباً من الأسباب التي أمكنهم الظفر بها إلا استخدموه، وبذلك حقق لهم المجد والنصر المبين. وهكذا كانت تربية رسول الله لهم في حياته كلها، وفي دعوته إلى دين الله، هكذا كان صلوات الله عليه في دعوته، وفي جهاده، وفي غزواته، وفي سعيه لاكتساب الرزق، وفي عباداته، وفي شؤونه الخاصة، وفي شؤون المسلمين العامة، وفي حثه المسلمين على السعي والعمل والجهاد والصبر والمصابرة.

<<  <   >  >>