للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستطيع جيله أن يسايرها، بالنظر إلى الإمكانات المادية والبشرية التي يتمتع بها الواقع العربي الحاضر.

وحينما يجد هذا الإنسان القومي نفسه فارغة هذا الفراغ الظامئ الطالب للامتلاء، فإنه سيلجأ ضرورة إلى أن يرتمي في أحضان السابقين من شرقيين أو غربيين، ثم تهون في نفسه نزعة القومية شيئاً شيئاً، وهي التي بها أزاح العدو الغازي الإسلام من قلبه، بعد أن عمل على توهين قيمة الإسلام لديه، وعند ذلك سيصبح أجيراً تابعاً من أجراء أعداء دينه وقوميته معاً.

هذه هي الحيلة الحديثة الخبيثة التي خطط لها أعداء الإسلام في صفوف المسلمين العرب غير العرب، ليجهزوا على الإسلام بسلاح القومية، ثم ليجهزوا على القوميات بأسلحة المبادئ الأخرى التي لا تستطيع القوميات أن تقف أمامها، لأنها غير ذات محتوى فكري ونفسي وسلوكي يستمر مع الزمن، إنما هي عاطفة مؤقتة، ونزوة عابرة، تغري بأهداف براقة وهمية، ثم لا تلبث حقبة مع الزمن حتى ينكشف زيفها، فهي بمثابة الأشكال السحرية التي لا وجود لها إلا في حالة الخداع البصري، الذي يوجده الساحر الماهر بأعماله المؤقتة، وحينما ينتهي الساحر من نفثاته يظهر كل شيء على حقيقته، ويبدو ما كان على ما كان.

ولو أن أعداء الإسلام الذين خططوا لنشر فكرة القومية بين صفوف المسلمين بدأوا بنشر المبادئ المعدة لأن تكون هي الغاية المقصودة بالنشرة لتعثرت كثيراً، ولم تجد لها آذاناً سامعة، لأن الإسلام يمثل الدرع الحصين ضدها في نفوس أكثر المسلمين، وله في نفوسهم من الحجج القوية ما يدحضها، يضاف إلى ذلك تفوق الإسلام عليها بمبادئه الإلهية، التي تضمن للناس أوفر سعادة ترمي إلى تحقيقها النظم الإنسانية الوضعية بحسب ادّعاء أصحابها، مع المحافظة على أرقى فلسفة واقعية إصلاحية عرفها التاريخ، إنها الفلسفة الدينية والخلقية القائمة على أسس الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالحساب والجزاء، والإيمان بشرائع الله لعباده، وهي الشرائع التي أنزلها في كتبه، وأمر رسله بتبليغها، وكلف عباده المؤمنين بالإسلام أن يحملوها ويبلغوها للناس أجمعين.

<<  <   >  >>