للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استطاع الأعداء الغزاة أن يستخدموه على نطاق واسع في إفساد سلوك وأخلاق كثير من المسلمين، داخل البلاد التي بسطوا عليها سلطان احتلالهم المباشر أو غير المباشر.

لقد عملوا حتى اشتروا بالمال أصحاب النفوس الضعيفة، وأخذوا يوجهونهم كما يريدون، وعملوا على نشر الرشوة والتشجيع على اختلاس الأموال العامة، ودعم الاحتكارات المحرمة، والتغاضي عن الغش، وتهريب المحظورات الدولية، أو تشجيعها من طرفٍ خفي، أو المشاركة السرية في تجارتها الممنوعة قانوناً.

ولئن صادف أن أمسك بعض الموظفين الأمناء مجرماً من هؤلاء المجرمين، وساقه إلى القضاء بسلطة القانون، فإن كان هذا المجرم ولاّجاً خرَّجاً، في دهاليز كبار ذوي السلطة، ومن الذين دفعتهم إلى مراكزهم الأيدي الخفية للأعداء الغزاة، استطاع أن يكون بريئاً، وأن يوقع الموظف الأمين في ورطة كبرى تنتهي به إلى التسريح، أو إلى عقوبة مادية مهلكة، وإن لم يكن كذلك أصابته العقوبة القانونية الخفيفة التي تغريه بتكرار جرمه مرة أخرى، أو أسرعت إليه الأيدي الخفية فاشترته بالعفو عنه، وجندته في كتائبها المعادية للأمة.

وخلال ربع قرن استطاع الأعداء الغزاة أن يفسدوا من سلوك المسلمين وأخلاقهم موروثات عريقة كريمة منتشرة في مجتمعاتهم منذ قرون. حتى أمست الرشوة المفسدة لأخلاق الموظفين في كثير من البلاد التي تأثرت بخطط الغزاة من الأمور المنتشرة انتشاراً فاحشاً، إلى حد أن أكثر الأعمال الإدارية في دوائر هذه البلاد لا تذلل لأصحابها ما لم يضيفوا فيها إلى طابع الدولة القانوني وضريبتها المحددة رشوة تناسب أهميتها، يضعونها سراً وراء المعاملة، حتى صارت نفقات كثير من الموظفين تبلغ ضعف مرتباتهم الشهرية أو أكثر، وقد بلغ الأمر ببعضهم أن يكون له أموال كثيرة وعمارات ضخمة، وأصل راتبه لا يكاد يكفيه لنفقاته العادية، كل ذلك بسبب الواردات الإضافية من الرشوات التي يتقاضونها من أصحاب المعاملات.

<<  <   >  >>