للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: مدرسة المحافظين]

خصائصها الفنية:

وشعراء هذه المدرسة في الجنوب هم الذين اتخذوا منهج الفحول من القدامى مذهبًا في شعرهم، فحافظوا على نظام القصيدة القديمة، وعلى عمود الشعر العربي فيها، آخذين بما أخذه الفحول في شعرهم من جزالة الألفاظ، وإحكام التراكيب، ودقة الأساليب، وروعة التصوير، وشرف المعنى ووضوحه، ونبل الغرض، والاهتمام بالهدف والمضمون، والتزام الوزن والبحر والقافية، كما جاء في علم العروض والقافية للخيل بن أحمد، وما جرى عليه الشعراء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، والتقارب في التشبيه، وقرب الاستعارة، وما اشتهر في استعمالاتها عند الفحول من الشعراء الرواد، ثم الخيال القريب المألوف، ثم الكناية المشهورة التي أصبحت كالمثل يضرب به، والبديع الذي يأتي عفوًا من غير قصد وعلى سبيل الندرة، وإشراق الديباجة، وروعة الاستهلال، ولطف الانتقال، وغير ذلك من عناصر بناء القصيدة العربية القديمة على أساس عمود الشعر العربي المعروف في شرح الحماسة المرزوقي، وفي الموازنة للآمدي، وفي الوساطة للقاضي بن عبد العزيز الجرجاني وغيرهم١.

ويضاف إلى خصائص عمود الشعر خصائص فنية أخرى في شعر المحافظين في الجنوب، هي أنَّ شعر عسير يصور واقع عصرهم الذي يعيش فيه الشاعر، فيعالج القضايا التي تمس شغاف قلبه، وتهز وجدانه، وتتجاوب مع اتجاه عصره، وأحداث زمانه.

وهذه المدرسة المحافظة قد انتهى الشعراء فيها إلى اتجاهين مختلفين، ومذهبين أدبيين متميزين:

أحدهما: مذهب المحافظين على تقليد الفحول من الشعراء القدامى، مع بروز موهبتهم الشعرية، وأصالة قريحتهم الصافية الصادقة، من غير تجديد في المعاني، ولا في الأغراض، ولا في الأسلوب.

ثانيهما: مذهب المحافظة، لكنها في ثوب جديد، يتفق شعراؤها مع الفحول من الشعراء القدامى في التزامهم بعمود الشعر العربي مع التميز عنهم في المعاني والأغراض، وفي بعض الصور الأدبية التي تعبّر عن ثقافة العصر وواقعه، ثم التشخيص الحي في التصوير الأدبي، وكذلك يتميزون في منهج القصيدة الحديثة، وبوحدة الموضوع، والوحدة الفنية.


١ انظر كتابي "عمود الشعر العربي" دار الحارثي بالطائف السعودية، ط. أولى ١٤٠٢هـ، وفصلت القول في عمود الشعر دفعًا للتكرار.

<<  <   >  >>