للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالرُّخْصَةُ مُتَأَخِّرَةٌ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ الْأَكْلِ: الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ؛ لِثُبُوتِهَا وَكَثْرَةِ رُوَاتِهَا:

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ.

هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ، وَفِي رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَتْ: أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ.

قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي قِصَّةٍ مُعَيْنَةٍ، وَلَيْسَ هُوَ مُطْلَقًا دَالًّا عَلَى الْحَظْرِ بِعُمُومِهِ لِيُكُونَ الْحُكْمُ الثَّانِي رَافِعًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، بَلْ سَبَبُ تَحْرِيمِهِ مُغَايِرُ تَحْرِيمِ الْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ وَالْبَغْلِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْبِغَالِ وَالْحُمُرِ ذَاتِيٌّ فَكَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَتَحْرِيمُ أَكْلِ الْخَيْلِ كَانَ إِضَافِيًّا،

فَزَالَ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَارَعُوا فِي طَبْخِهَا قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْكَارًا لِصَنِيعِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ أَوْلًا، ثُمَّ تَرَكَهَا.

وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَلَمَّا رَأَوْا إِنْكَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَهْيَهُ عَنْ تَنَاوُلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ - اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ، حَتَّى نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَحِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مُخْتَلِفٌ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَنَّ الْخَيْلَ إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُخَمَّسْ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَخَّصَ وَأَذِنَ دَفْعًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ.

وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ خَالِدٍ وَرَدَ فِي قِصَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيَكْرِبْ،

<<  <   >  >>