للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُهَا وَصِحَّةُ سَنَدِهَا، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ وَالثُّبُوتِ.

وَالثَّانِي أَنَّهَا وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ لِلْمُرْسَلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَقَالُوا: يُشِيدُ هَذَا الْمُرْسَلَ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِأَوَاخِرِ الْأُمُورِ.

وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَهْرِ فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ وُرُودِ أَحَادِيثَ فِي الْجَانِبَيْنِ، وَكُتُبُ السُّنَنِ وَالْأَسَانِيدِ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ

الْجَهْرِ آثَارُ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ كَانَ يَرَى الْجَهْرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَاثِهِمْ وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى عَصْرِ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْجَهْرَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَا نَقُولُ بِهِ، ثُمَّ هُوَ يُعَارِضُهُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ بَنِيمَانَ بْنِ يُوسُفَ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِـ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " حَتَّى قُبِضَ.

وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ؛ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتِ وَالصِّحَّةِ، وَقَدْ فُقِدَ هَهُنَا، فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِهِ.

وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْإِخْفَاتِ فَهِيَ أَمْتَنُ، غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ دَقِيقَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبِ الْجَرْحِ، كَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْبَابِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ.

ثُمَّ الرِّوَايَةُ قَدِ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ،

<<  <   >  >>