للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل السادس: الرواية بالمعنى]

٩٢٤- يقول الخطيب البغدادي: إن كثيرًا من السلف وأهل التحري في الحديث رأوا أنه لا تجوز رواية الحديث بمعناه، بل تجب المحافظة على ألفاظه كما صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما تلقاها كل راو من زميله.

وممن ذهب إلى ذلك من الصحابة رضوان الله عليهم عبد الله بن عمر فقد روى عبيد بن عمير أن ابن عمر كان جالسًا مع أبيه وعندهم مغيرة بن حكيم -رجل من أهل صنعاء- إذ قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل المنافق مثل الشاة بين الربَّيضين" ١ من الغنم" فقال عبد الله لو علمت علمه، علمت أنه لم يقل إلا حقًّا ولم يتعمد الكذب، فقال: إنه لثقة، ولكني شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال هذا، قال: كيف يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق مثل الشاة بين الغنمين". فقال عبيد بن عمير هي واحدة إذا لم يجعل الحرام حلالًا والحلال حرامًا، فلا يضرك أن قدمت شيئًا أو أخرته، فهو واحد٢.

٩٢٥- وهذه القصة مع دلالتها على تمسك ابن عمير بلفظ الحديث وأدائه دون تغيير في ألفاظه بما لا يغير المعنى، فإنها تشير إلى اتجاه آخر عند الصحابة رضوان الله عليهم، وهو أنهم يجوزون رواية الحديث بالمعنى ما دام ذلك لا يغير "أو لا يجعل الحرام حلالًا والحلال حرامًا" كما يعبر الصحابي عبيد بن عمير. وسننتقل إلى هذا الاتجاه بعد قليل.

٩٢٩- وقد روي هذا عن الإمام مالك رضي الله عنه، فقد سأله أحد تلاميذه عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد؟ ... قال: أما ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أكره ذلك وأكره أن يزاد فيه أو ينقص٣.


١ الربيض: الغنم نفسها، والربض: موضعها الذي تربض فيه، أراد أنه مذبذب كالشاة الواحدة بين قطيعين من الغنم، أو بين مربضيهما. "النهاية".
٢ الكفاية ص ٢٦٨ - ٢٦٩.
٣ جامع بيان العلم وفضله حـ١ ص٩٧.

<<  <   >  >>