للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل: "أحكام الغنيمة"

فَأَمَّا الْغَنِيمَةُ فَهِيَ أَكْثَرُ أَقْسَامًا وَأَحْكَامًا؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ تَفَرَّعَ عَنْهُ الْفَيْءُ، فَكَانَ حُكْمُهَا أَعَمَّ.

وَتَشْتَمِلُ عَلَى أَقْسَامٍ: أَسْرَى، وَسَبْيٌ، وَأَرْضِينَ، وَأَمْوَالٌ.

فَأَمَّا الْأَسْرَى: فَهُمْ الْمُقَاتِلُونَ مِنَ الْكُفَّارِ إذَا ظَفَرَ الْمُسْلِمُونَ بِأَسْرِهِمْ أَحْيَاءًَ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِمْ؛ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ مَنِ اسْتَنَابَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ، إذَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ فِي الْأَصْلَحِ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا الْقَتْلُ، وَإِمَّا الِاسْتِرْقَاقُ، وَإِمَّا الْفِدَاءُ بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى، وَإِمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ فِدَاءٍ١.

فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ، وَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ٣، وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْقَتْلُ أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ بِالرِّجَالِ دُونَ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَنُّ،


قال أبو الحسن المالكي: ويتخيّر الإمام فيهم بين ثلاثة أوجه: الاسترقاق والعتق والفداء، ويجتنب قتل الرهبان، وقتل الأحبار، ويشترط في عدم قتل الأوالين على المشهور أن ينقطِعَا عن أهل ملتهمًا حبسًا في دير أو صومعة، ومعنى: فلا يخالطاهم في رأي ولا يعيناهم في تدبير ومشورة، ويكونان حرين لا يسترقان، ويترك لهما ما يقوم بهما. [كفاية الطالب: ٢/ ٩] .
وقال الرجراجي: إذا غنم من العدو ذوي القوة من الرجال فالإمام مخيَّر فيهم في خمسة أشياء: القتل او الجزية أو الفداء أو المنِّ أو الاسترقاق، وأمَّا النساء فإن كففن أذاهم عن المسلمين ولزمن من قعر بيوتهن فلا خوف في تحريم قتلهن، وإن شرعن في مدح القتال وذم الفرار، فإن قاتلن وباشرن السلاح فلا خلاف في جواز قتلهنّ، في حين القتل في المسايفة لوجود المعنى المبيح لقتلهن، وكذلك أيضًا يباح قتلهن بعد الأسر إذا قتلن، فإن رمين بالحجارة ولم يظهرن النكاية ولا قتلن أحدًا فلا يقتلن بعد الأسر اتفاقًا. [مواهب الجليل: ٣/ ٣٥١] .
٢ يقول الفيروزابادي الشيرازي من الشافعية: وإن أسر حرّ فللإمام أن يختار فيه ما يرى المصلحة من القتل والاسترقاق والمن والمفاداة بمال أو بمن أسر من المسلمين، فإن استرقَّه وكان له زوجة انفسخ نكاحها، وإن أسلم في الأسر سقط قتله، وبقي الخيار في الباقي في أحد القولين، ويرقّ في القول الآخر، وإن غرر بنفسه في أسره فقتله الإمام أو من عليه ففي سلبه قولان: أحدهما أنه لمن أسره، والثاني أنه ليس له، وإن استرقه أو فاداه بمال فهل يستحق من أسره رقبته، أو المال المفادى به فيه قولان، وإن حاصر قلعة فنزل أهلها على حكم حاكم جاز، ويجب أن يكون الحاكم حرًّا مسلمًا ثقة من أهل الاجتهاد ولا يحكم الحاكم إلّا بما فيه الحظ للمسلمين منَ القتل والاسترقاق والمنّ والفداء. [التنبيه: ص ٢٣٤] .

<<  <   >  >>