للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الخامس: في الولاية على المصالح]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: في الولاية على الحروب

فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَا عَدَا جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قِتَالٍ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِتَالُ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَقِتَالُ الْمُحَارِبِينَ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ: فَهُوَ أَنْ يَرْتَدَّ قَوْمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِمْ، سَوَاءٌ وُلِدُوا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمُوا عَنْ كُفْرٍ، فَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ سَوَاءٌ، فَإِذَا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ إلَى أَيِّ دِينٍ انْتَقَلُوا إلَيْهِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ؛ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، أَوْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ؛ كَالزَّنْدَقَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ مَنِ ارْتَدَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَقِّ يُوجِبُ الْتِزَامَ أَحْكَامِهِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" ١.

فَإِذَا كَانُوا مِمَّنْ وَجَبَ قَتْلُهُمْ بِمَا ارْتَدُّوا عَنْهُ مِنْ دِينِ الْحَقِّ إلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ شُذَّاذًا وَأَفْرَادًا لَمْ يَتَحَيَّزُوا بِدَارٍ يَتَمَيَّزُونَ بِهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى قِتَالِهِمْ لِدُخُولِهِمْ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَيُكْشَفُ عَنْ سَبَبِ رِدَّتِهِمْ، فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً فِي الدِّينِ أُوضِحَتْ لَهُمْ بِالْحِجَجِ وَالْأَدِلَّةِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ، وَأُخِذُوا بِالتَّوْبَةِ مِمَّا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ مِنْ كُلِّ رِدَّةٍ، وَعَادُوا إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا كَانُوا.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَقْبَلُ تَوْبَةَ مَنِ ارْتَدَّ إلَى مَا يُسْتَرُ بِهِ مِنَ الزَّنْدَقَةِ إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَقْبَلُ تَوْبَةَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، وَعَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَضَاءُ مَا تَرَكُوهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي


١ صحيح: رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير "٣٠١٧"، وأبو داود في كتاب الحدود "٤٣٥١"، والترمذي في كتاب الحدود "١٤٥٨"، والنسائي في كتاب تحريم الدم "٤٠٥٩"، وابن ماجه في كتاب الحدود "٢٥٣٥"، وأحمد "٢٩٦٠".

<<  <   >  >>