للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: الثبوت والتجدد مع الجملتين الموصولتين:

يقول السكاكي: واعلم أن الوصل من محسناته أن تكون الجملتان متناسبتين ككونهما اسميتين أو فعليتين، وما شاكل ذلك. فإذا كان المراد من الإخبار مجرد نسبة الخبر إلى المخبر عنه من غير التعرض لقيد زائد، كالتجدد والثبوت، وغير ذلك لزم أن تراعي ذلك فتقول: قام زيد وقعد عمرو، أو: زيد قائم وعمرو قاعد، وكذا: زيد قام وعمرو قعد، وأن لا تقول: قام زيد وعمرو قاعد، وكذا: قام زيد وعمرو قعد ... إلخ. كما سبق في علم النحو أمثال ذلك، أما إذا أريد التجدد في أحدهما والثبوت في الأخرى، كما إذ كان زيد وعمرو قاعدين، ثم قام زيد دون عمرو، وجب أن تقول "قام زيد وعمرو قاعد بعد"، وعليه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ١. المعنى سواء عليكم "أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم" لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم، وكانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين، وكذلك قوله تعالى: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ٢، المعنى: أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك أم اللعب، أي أحوال الصبا بعد استمرارها عليك؟ استبعادا منهم أن تكون عبادة الأصنام من الضلال.

وبعد فلم يكن تقعيد السكاكي جافا كله، معقدا كله، فثمة مسحة من الذوق والأسلوب الطريف في المعالجة كانت تبزغ هنا أو هناك، ثم تغيب في لجة الضبط والتقعيد، وجاء القزويني ليقضي على هذا المسحة، بل ويقضي على كل شيء ...

وليس فيما فعله السكاكي ما يستحق الوقوف لديه، سوى أننا سنعيش مع المصطلح وتشعب المصطلح والخلافات الجانبية بعد أن ودعنا الفن ساعة تركنا الزمخشري والجرجاني ومن سبقوهما.


١ الأعراف: ١٩٣.
٢ الأنبياء: ٥٥.

<<  <   >  >>