للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشكل، وأبطل شبهة المخالف، لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فاقدروا له" مجمل مفسر برواية: "فعدوا له ثلاثين يوماً" و"فأكملوا العدة ثلاثين" و"فاقدروا له ثلاثين" مع موافقة أبي هريرة بن عمر على روايته مثل هذه الألفاظ عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأما تعلق المخالف بما روي عن ابن عمر أنه كان يصوم إذا غم الهلال (١) ، فقد روي أنه كان يفعل ويفتي بخلاف ذلك، وفتياه أصح من فعله يعني لتطرق التأويل إلى فعله، ثم روى الخطيب بإسناده عن عبد العزيز بن حكيم قال: "سألوا ابن عمر فقالوا: نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء، فقال ابن عمر: أف أف صوموا مع الجماعة، وأفطروا مع الجماعة" إسناده صحيح إلا عبد العزيز بن حكيم (٢) ، فقال يحيى بن معين: هو ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بقوي يكتب حديثه، وعن ابن عمر: "لا أتقدم الإمام ولا أصله بصيام".

وعن عبد العزيز بن حكيم قال: "ذكر عند ابن عمر يوم الشك فقال: لو صمت السنة كلها لأفطرته" قال الخطيب: وهذا هو الأشبه بابن عمر لأنه لا يجوز الظن به أنه خالف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك قوله الذي رواه هو وغيره من العمل بالرؤية أو إكمال العدة فيجب أن يحمل ما روي عن ابن عمر من صوم يوم الشك على أنه كان يصبح ممسكاً حتى يتبين بعد ارتفاع النهار هل تقوم بينة بالرؤية فظن الراوي أنه كان صائماً.

وكيف يظن بابن عمر مخالفة السنة، وهو المجتهد في اقتفاء آثار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والاقتداء بأفعاله وطريقة ابن عمر في ذلك مشهورة محفوظة".

* قال النووي في "المجموع" (٦/٤٥٥-٤٥٦) : "فلو صامه -أي يوم الشك- تطوعاً بلا عادة ولا وصله فمذهبنا أنه لا يجوز، وبه قال الجمهور، وحكاه العبدري عن عثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وحذيفة وعمار وابن عباس وأنس والأوزاعي ومحمد ابن سلمة المالكي وداود، وقال أبو حنيفة: لا يكره صومه تطوعاً ويحرم صومه عن رمضان".


(١) عند أحمد عن نافع: "كان ابن عمر إذا كان ليلة تسع وعشرين، وكان في السماء سحاب أو قتر أصبح صائماً"، وإسناده صحيح على شرطهما. وعند أبي داود والدارقطني والبيهقي وأحمد عن نافع: "كان ابن عمر إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر أصبح صائماً" صحيح. فمن قال: العبرة برأي الراوي لا بروايته لزم الأخذ به كالحنفية.
(٢) وثقه أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>