للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات: فلأن النفس إذا شبعت طمحت إلى المعاصي وتشوّفت إلى المخالفات، وإذا جاعت وظمئت تشوفت إلى المطعومات والمشروبات.

وطموح النفس إلى المناجات واشتغالها بها خير من تشوفها إلى المعاصي والزلات، ولذلك قدّم بعض السلف الصوم على سائر العبادات، فسُئل عن ذلك؟ فقال: "لأن يطلع الله على نفسي وهي تنازعني إلى الطعام والشراب أحب إلي من أن يطلع عليها وهي تنازعني إلى معصيته إذا شبعت" (١) .

قال القسطلاني في "فضائل الصوم":

"زجره عن الخواطر الذميمة: الموقعة في المآثم المقيمة، إذا الجوع يكبح النفس بلجام الجفوة للهفوة الموجبة للغلظة والقسوة، والشبع مما يقودها إلى الطماح والجماح، ويذودها عن السعي في قص ما زاد من جناح الجناح، ويوقعها في الجرأة والفظاظة والانكباب على ارتكاب المناهي.

والجوع يجسم مواد الفساد من هذه العلل ويقللها حتى يقتصر فكر الجائع على مأكول ومشروب يدفع به ما هو فيه؛ فتنصرف فكرته إلى المباح السالم من تعاطاه عن الأذى والإثم، فظهر أنه أولى من الشبع الذي يؤدي إلى المحرم أو المكروه، والله أعلم.

ثم قال: "حثه على فعل الطاعات وتحريضه على تحصيل المثوبات: لأن المعدة إذا خلت من الأغذية ضعف من الجسد ما هو فيه من القوى النفسانية وقويت منه الروحانية، فأشرق في القلب نور القدس، ولاح في الروح ضياء القدس، وخشعت الجوارح لفعل القربات، ولانت الجلود لإتيانها بالطاعات؛ فأقبلت على خدمة الله تعالى بقلب منيب، وأعرضت عن عصيانه ومخالفته.

التذكر لتعداد نعم الله في الدارين: إذ نعمته بلذاذة هذه العبادة عاجلاً بتذكر حال أهل النار آجلاً، ومآل أمرهم من الجوع والعطش كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله:


(١) "فوائد الصوم" (ص ٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>