للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- واحتجوا بقرله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: ١٨٧] .

فقد أباح للمؤمنين الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، وأمر بالصيام عنها بعد طلوع الفجر: متأخراً عنه، لأنَّ كلمة "ثم" للتعقيب مع التراخي، فكان هذا أمراً بالصوم متراخياً عن أول النهار، والأمر بالصوم أمر بالنيّة، إذ لا صحة للصوم شرعا بدون النية، فكان أمراً بالصوم بنية متأخرة عن أوّل النهار، ومن أتى به فقد أتى بالمأمور به، فيخرج عن العهدة، وفيه دلالة على أنَّ الإمساك في أول النَّهار يقع صوماً وجدت فيه النية أو لم توجد؛ لأن إتمام الشيء يقتضي سابقية وجود بعض منه، ولأنه صام في وقت متعين شرعاً لصوم رمضان لوجود ركن الصوم مع شرائطه.

هكذا احتجّ صاحب بدائع الصنائع بالآية الكريمة (١) .

ونحن نخالفه في عدّة أمور:

أولاً: نخالفه في أن "الأمر بالصوم أمر بالنيّة"، وتعليله لذلك بأنّه "لا صحة للصوم شرعاً بدون النية". ذلك أن وجوب النية في الصوم غير مأخوذ من مجرد الأمر بالصوم، بل من أدلّة أخرى منفصلة، كقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: ٥] . وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنما الأعمال بالنيّات" (٢) ، وبناء على ذلك فليس الأمر بالصوم أمرا بالنية.

ثانياَ: إذا تقرّر الأمر السابق بطل مابناه عليه من أن الشارع أمر بالصوم بنية متأخرة عن أول النهار، ولو كان قوله هذا حقا لكان الأفضل أن نأتي بالنيّة بعد طلوع الفجر، وهذا لم يقل به أحد، حتى ولا الأحناف الذين يجيزون النية من النهار.

ثالثا: أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينّ هذه الآية كما بين غيرها من الآيات بقوله: "لا صوم لمن لم يبيّت الصيام من الليل"، فوجب أن نأخذ ببيانه.


(١) "بدائع الصنائع" (٢/٨٦) .
(٢) صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>