للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) فيحدوه ذلك على كثرة الشكر، والاجتهاد في الطاعة بالعمل والذكر والفكر" (١) .

الفضيلة الثالثة والعشرون

تكثير الصدقات، والإحسان إلى ذوي الحاجات

قال عز الدين بن عبد السلام: "وأما تكثير الصدقات، فلأن الصائم إذا جاع تذكر ما عنده من الجوع، فيحثه ذلك على إطعام الجائع "فإنما يرحم العشّاق من عشقا"، وقد بلغنا أن سليمان أو يوسف عليهما السلام لا يأكل حتى يأكل جميع المتعلقين به، فسُئل عن ذلك؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع" (٢) .

قال القسطلاني: "إعانته على بذل الصدقات فإن الصائم يجوع؛ فيعرف قدر ألم الجوع، فيحرضه ذلك على حرصه في الإحسان إلى الجياع، ويحمله على تدبر ما هم فيه من ضرر العجز والانقطاع، وإنما يجد ذوق التعب مَنْ نازله، ويعرف قدر الضرر مَنْ واصله، وفي مثل ذلك قيل:

لا يعرف الشوق إلا مَنْ يُكابِدُه ... ولا الصبابة إلَّا من يُعانيها (٣)

قال القاري في "مرقاة المفاتيح": "ومنها كونه موجباً للرحمة والعطف على المساكين فإنه لمّا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الساعات فتسارع إلى الرقة عليه، والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطن فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليه فينال بذلك ما عند الله من حسن الجزاء ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحياناً وفي ذلك رفع حاله عند الله كما حكي عن بشر الحافي أنه دخل عليه رجل في الشتاء فوجده جالساً يرعد وثوبه معلق على المشجب، فقال له: في مثل هذا الوقت تنزع الثوب أو معناه، فقال: يا أخي الفقراء كثير، وليس لي طاقة مواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملون. انتهى.


(١) "مدارك المرام في مسالك الصيام" (ص ٧٧-٧٨) .
(٢) "فوائد الصيام" (ص ٢٥) .
(٣) "مدارك المرام" (ص ٧٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>