للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلّ على خطئه أنَّ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا صيام لمن لم يبيت الصوم من الليل" ليس فيه هذا التحديد الذي حدّه، بل يفهم منه أنَّ من نوى في أي جزء من الليل صحَّ صومه.

ومما يدل على بطلان قياسه أن الأذان والدفع من مزدلفة "يجوزان بعد الفجر بخلاف نية الصوم، ولأنَّ اختصاصهما بالنصف الأخير بمعنى تجويزهما فيه، واشتراط النيّة بمعنى الإيجاب والحتم وفوات الصوم بفواتها، وهذا فيه مشقة ومضرة بخلاف التجويز، ولأن منعهما في النصف الأول لا يفضي إلى اختصاصهما بالنصف الأخير لجوازهما بعد الفجر، والنية بخلافه".

٣- صوم النذر:

يجب تبييت النية من الليل في صوم النذر عند جماهير العلماء؛ لأنَّ النذر كالواجب، وبذلك قطع جمهور فقهاء الشافعية، وقد حكى بعضهم فيه وجهين بناء على أنّه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع، أو جائزه ومندوبه إن قلنا كواجب لم يصح بنيّة من النهار وإلا فيصح كالنفل.

وجمهور فقهاء الشافعية لم يجروا الخلاف في هذه المسألة في الصوم المنذور كما أجروها في بقية المسائل، وذلك لأنّ الحديث هنا عام في اشتراط تبييت النية للصوم، خص منه النفل بدليل، وبقي النذر على عمومه (١) .

ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أن النذر المعينّ يجوز بنيّة من النهار، لأنه كصوم رمضان، لأنَّ الوقت متعين لصومه كما سبق.

أمّا النذرالمطلق فلابدَّ له من نية من الليل، وذلك لأنَّ الوقت غير متعين لصيامه (٢) ، وقد سبق أن بيّنا أنَّ هذا الذي اعتمدوه في التفرقة هنا، وفي غير هذا الموضع، لا يصح أن يكون مفرقاً.

٤- صوم النفل:

الإمام مالك - رحمه الله تعالى - لا يجيز صوم النفل إلا بنيّة من الليل كالفرض،


(١) "المجموع" (٦/٣٣٢) .
(٢) "بدائع الصنائع" (٢/٨٥) ، "تحفة الفقهاء" (١/٥٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>