للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: حديث تبييت النية عام، فنخصه بما ذكرناه جمعاً بين الأحاديث.

ومع أنَّ ابن حزم روى حديث عائشة السابق، وروى عن عشرة من الصحابة أنَّهم كانوا يعزمون على صوم النفل في النَّهار إلا أنه لم يقل بجواز صيام النفل بنيّة من النهار.

قال: "لأنّه ليس في الحديث أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن نوى الصيام من الليل، ولا أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح مفطراً، ثم نوى الصوم بعد ذلك، ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به، لكن فيه أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصبح متطوعاً صائما ثم يفطر، وهذا مباح عندنا....، فلما لم يكن في الخبر ما ذكرنا، وكان قد صح عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا صيام لمن لم يبيته من الليل" لم يجز أن نترك هذا اليقين لظنٍ كاذب، ولو أنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح مفطراً ثمَّ نوى الصوم نهارا لبيّنه" (١) .

وتابع الصنعاني من المتأخرين ابنَ حزم فيما ذهب إليه، فبعد أن ساق حديث عائشة الذي احتجّ به الجمهور قال: "فالجواب عنه أنه أعمّ من أن يكون بيَّت الصوم أو لا، فيحمل على التبييت، لأنّ المحتمل يردّ إلى العامّ ونحوه" (٢) .

ثم قال: "والأصل عموم حديث التبييت، وعدم الفرق بين الفرض والنفل والقضاء والنذر، ولم يقم ما يرفع هذين الأصلين فتعينّ البقاء عليهما" (٣) .

والجواب على ما ذكراه:

أولاً: أنّ ابن حزم تناقض هنا تناقضا بينا، فهو يرى أنَّ من نوى في حال صيامه أنّه تارك للصوم عامداً بذلك ذاكراً لصومه، إلاّ أنَّه لم يأكل، ولم يشرب، ولا وطيء، ولا فعل فعلا ينقض الصوم، فإنَّ صومه قد بطل وأنّه أفطر (٤) .

ووجه التناقض أنّه يرى أنَّ من نوى قطع الصوم وتركه فإنَّ صومه يبطل، والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما دخل على عائشة طلب طعاما ليأكله، فلما لم يجد شيئاً قال: إنِّي صائم، فإذا كان نوى الصوم من الليل، وكان الصوم لا يجزيء بنيّة إلا من الليل، فعلى


(١) "المحلى" (٦/١٧٢-١٧٣) .
(٢) "سبل السلام" (٢/١٥٤) .
(٣) المصدر السابق.
(٤) "إحكام الأحكام" (المجلد الثاني ٧١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>