للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول ابن حزم يعتبر صيام الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باطلا. ولما لم يكن باطلا حتما، فيلزمه أحد أمرين: الأول: القول بأنّ من عزم على قطع نيّة الصوم أو تركه لا يبطل صومه بذلك. والثاني: أن يجيز الصوم بنية من النهار.

ثانياً: ورد في رواية البيهقي "إذن أصوم"، كما ورد عن الصحابة الذين روى ابن حزم أقوالهم ما يدلّ على أنهم كانوا يحدثون النيّة من النّهار، فعائشة تقول: "إنّي لأصبح يوم طهري، وأنا أريد الصوم، فأستبين طهري فيما بيني وبين نصف النهار، فأغتسل، وأصوم".

وروي عن عُبيد الله بن عمر أنّ أبا هريرة كان يصبح مفطراً، فيقول: هل من طعام؟

فيجده أو لا يجده، فيتم ذلك اليوم.

وسأل رجل علي بن أبي طالب، فقال: أصبحت ولا أريد الصوم؟ فقال له علي: أنت بالخيار بينك وبين نصف النهار، فليس لك أن تفطر، وكذلك قال أكثر من صحابي (١) .

والصحابة أعلم بالتنزيل وبمراد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منّا، خاصّة ورواية البيهقي تكاد تكون صريحة في أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدث النيّة من النهار.

المدى الذي يصحّ أن يحدث فيه النيّة من النَّهار:

ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المتنفل يجوز له أن يحدث الصوم بنيّة من النهار، إلا أنهم حدّوا منتصف النهار كحدّ أقصى، فلا يجوز عندهم أن ينوي الصوم بعد منتصف النهار (٢) ، قالوا: "لأنَّ الصوم هو الإمساك عن الغداء، وتأخير العشاء إلى اللّيل، وبعد الزوال لا يجوز؛ لأنه لم يوجد الإمساك عن الغداء لله تعالى" (٣) .

وذهب الشافعي في القديم إلى القول بقولهم، وذهب في الجديد إلى صحة صوم من نوى بعد الزوال، وهو قول معظم أصحاب الشافعي، وقال الأصحاب بناء على ذلك:


(١) انظر "المحلى" (٦/١٧٢) .
(٢) "حاشية ابن عابدين" (٢/٩٢) ، "بدائع الصنائع" (٢/٨٥) .
(٣) "تحفة الفقهاء" (١/٥٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>