للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرج الطحاوي عن عَمْرة أن أمّها ماتت وعليها من رمضان، فقالت لعائشة: -رضي الله عنها- أقضيه عنها؟ قالت: "بل تصدقي عنها مكان كلّ يوم نصف صاع على كل مسكين" (١) .

وابن عباس -رضي الله عنهما- أفتى: "إذا مرض الرجل ثم مات ولم يصم، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضي عنه" (٢) .

قالوا: فرواة الأحاديث لم يفهموا منها جواز النيابة في صوم الفرض، وقد تقرّر عند علماء الشريعة، أن راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيما إذا كان ما فهم هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا، خاصة إذا كان الراوي من كبار فقهاء الصحابة مثل أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنهما-، وحبر هذه الأمة ابن عباس رضي الله عنهما-.

رابعًا: قالوا وفي هذا الذي صرنا إليه رفع للإشكال الذي سببّه حديث عائشة، فما صرنا إليه فيه إعمال للقاعدة القاضية بأن الفرائض لا تقبل النيابة، وإعمال للنصوص المجيزة للصوم عن الولي.

خامسًا: وقد قوى ابن القيم مذهب الحنابلة، وقال: "وهو مقتضى الدليل والقياس" ثم أخذ يبين وجه ذلك: "لأن النَّذر ليس واجبا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّيْن الذي استدانه، ولهذا شبَّهه النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدّيْن في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، والمسؤول عنه فيه: أنَّه كان صوم نذر".

وتابع استدلاله قائلاً: "والدَّين تدخله النيابة، وأمَّا الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام، فلا تدخله النيابة بحال، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها، وأمر بها، وهذا أمر لا يؤديه عنه غيره، كما لا يسلم


(١) أخرجه الطحاوي، وابن حزم في "المحلى" (٧/٤) ، واللفظ له بإسناد صحيح كما قال ابن التركماني.
(٢) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر عند ابن حزم في "المحلى" (٧/٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>