للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره".

ثم أخذ يبين أنَّ النذر أخف حكمًا من الفرض وبذلك يفارقه: "وسر الفرق: أنَّ النذر التزام المكلَّف لما شغل به ذمته، لا أنَّ الشارع ألزمه به ابتداء، فهو أخف حكمًا مما جعله الشارع حقًا له عليه، شاء أم أبى، والذمة تسع المقدور عليه، المعجوز عنه، ولهذا تقبل أن يشغلها المكلَّف بما لا قدرة له عليه، بخلاف واجبات الشرع فإنَّها على قدر طاقة البدن، لا تجب على عاجز إلى أن قال: " ... فلا يلزم من دخول النيابة في واجب النذر بعد الموت، دخلوها في واجب الشرع" (١) .

أما الذين قالوا بأنّه لا ينوب أحد عن أحد في حج ولا صوم إلا الابن عن أبيه فقد احتجوا بأنَّ السائل في غالب الأحاديث ولد، وحملوا بقيّة الأحاديث على الولد؛ لأنَّ النصوص من أمثال قوله: (وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى) مانعة من النيابة، قالوا: ولا تعارض بين الآية ونيابة الابن؛ لأن الابن من سعي أبيه كما صح الحديث بذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إنَّ أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإنَّ ولده من كسبه" (٢) .

ويشكل على ما قرروه حديث شُبْرمة الملبي في الحج عن أخيه، وحديث عائشة -رضي الله عنها- الذي فيه: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"، فإنَّه أطلقه ولم يقيده بالولد، وفي حديث السائلة عن النذر قيل: المسؤول عن الصوم عنها كانت أختها كما في إحدى الروايات. وفي حديث الصدقة تحمل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة عن عمه.

ولذا وصف ابن حجر القائلين بقصر النيابة على الولد بالجمود.

[تحرير محل النزاع]

بعد أن عرضنا مذاهب العلماء في النيابة وأدلتهم وما ورد عليها من


(١) "تهذيب السنن" (٣/٢٨٢) .
(٢) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارمي، وهذا اللفظ للدارمي وأبي داود، ولفظ الرواية الأخرى: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" انظر: "مشكاة المصابيح" (٢/٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>