للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشات يجدر بنا أن نحرر محل النزاع فنقول: ليس كلّ العبادات موضع خلاف، ولا كلّ الأشخاص تجوز نيابتهم عن غيرهم، ولذا سأبين العبادات التي اتفق العلماء على أنه لا مجال للنيابة فيها، ثم الذين لا تجوز النيابة عنهم باتفاق.

أولاً: عبادات لا مجال للنيابة فيها:

أ- العبادات القلبية كإيمان القلب وإسلامه، وحبه ورجائه ... فقد اتفق العلماء على أنّه لا مجال للنيابة فيها، ولم يذكروا خلافًا في ذلك، بل لا يتصور الخلاف.

ب- العبادات الشبيهة بالعاديّات كالوضوء والغسل والتيمم، وما ذكره بعض الفقهاء من وجوب النيّة في غسل الميّت فليس هو من باب النيابة؛ لأنَّ الميت هنا غير مكلف غسل نفسه، وإنما هو فعل أمُر به الأحياء للأموات، فينوي قصد الفعل الذي أمر به، وكذلك ما ذكروه من غسل الزوج زوجته المجنونة إذا طهرت من حيضها ونفاسها، وغسله للزوجة الذمية إذا طهرت في حيضها ونفاسها قهرًا إذا امتنعت فلا يدخل في هذا الباب؛ لأن المجنونة والذميَّة لو اغتسلتا بنفسيهما صحّ مع أنهما ليستا من أهل النيّة.، فالقول بوجوب غسلهما أو اغتسالهما إنّما هو لمجرد التطهر.

وكذلك ما ذكروه من أنّ الشخص قد يوضيء غيره أو ييممه أو يغسله، والمتوضيء والمتيمم والمغتسل من أهل النية، كمن وضّأ مريضاً أو يمم أقطعًا، ليس من باب النيابة؛ لأنَّ هذا الموضيء والمغسل والميمم بمثابة الآلة، فمثله كمثل جهاز من الأجهزة الحديثة يقوم بغسل الإنسان أو توضئته، وكمثل جنب أمطرت السماء فوقف صامدًا تحت المطر ينوي الغسل من الجنابة، فالنية هنا على المتوضيء والمغتسل والمتيمم، لا على من فعل ذلك به، وهذا واضح، وغفل من قال بأن النية على الموضيء.

جـ- نقل الطبري وغيره الإجماع على أنَّ النيابة لا تدخل الصلاة (١) ،


(١) "فتح الباري" (٤/٦٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>