للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس -رضي الله عنهما- موافق للصحابة، وحديثه موافق لحديثي عبد الله بن عمر وسلمة -رضي الله عنهم-، وكذلك غير متناقض فقوله: "ليست بمنسوخة أي: إن الآية مخصوصة، وبهذا يتبين أن النسخ في فهم الصحابة يقابل التخصيص والتقييد في مفهوم الأصوليين المتأخرين ولهذا الأمر أشار القرطبي -رحمه الله- في "تفسيره" (١) .

ولعلك أخي المسلم تظن أن ما ثبت عن ابن عباس ومعاذ (٢) -رضي الله عنهما- مجود رأي واجتهاد وإخبار وهو لا يرقى إلى مصاف الحديث المرفوع الذي يخصص عام القرآن ويقيد مطلقه ويفسر مجمله، والجواب كالآتي:

١- إن هذين الحديثين لهما حكم المرفوع باتفاق أهل العلم بحديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يجوز لمؤمن يحب الله ورسوله أن يخالفهما إذا ثبتا لديه لأنهما جاءا في تفسير يتعلق لسبب نزول أي: إن هذين الصحابيين الذين شهدا الوحي والتنزيل أخبرا عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فهذا حديث مسند لا ريب (٣) .

٢- أثبت ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا الحكم للمرضع والحبلى فمن أين أعطاهما هذا الحكم؟ لاشك أنه من السنة، وخاصة أنه لم ينفرد بل وافقه عبد الله بن عمر الذي روى أن هذه الآية منسوخة.

٣- لا مخالف لابن عباس -رضي الله عنهما- من الصحابة كما جاء في


(١) "الجامع لأحكام القرآن" (٢/٢٢٨) .
(٢) حديث معاذ "أما أحوال الصيام، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم الدينة فجعل يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصيام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ... ) الآية، ثم أنزل الله الآية الأخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) الآية، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذا حولان ... " رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وأحمد. وقال الحَاكم "صحيح الإسناد ووافقه الذهبي" وأعله البيهقي والدارقطني والمنذري بأن هذا مرسل فعبد الرحمن ابن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل. قال الألباني في "الإرواء" (٤/٢١) : لكن قد جاء بعضه من طريق غير السعودي.
(٣) انظر: "تديب الراوي" (١/١٩٢-١٩٣) ومقدمة ابن الصلاح (ص٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>