للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

[اختلاف مراتب إثم المبتدع]

إذا ثبت أنَّ المبتدع آثم فليس الإثم الْوَاقِعُ عَلَيْهِ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ على مراتب مختلفة، من جِهَةِ كَوْنِ صَاحِبِهَا مُسْتَتِرًا بِهَا أَوْ مُعْلِنًا [ومن جهة الدعوة إليها وعدمها] (١) ، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بَيِّنة أَوْ مُشْكِلَةً، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَوْ عَدَمِهِ - إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي يُقْطَعُ مَعَهَا بِالتَّفَاوُتِ فِي عِظَم الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ أَوْ يَغْلُب عَلَى الظن.

١- أمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ، فَظَاهِرٌ أنَّ المُسِّر بِهَا ضَرَرُهُ مقصورٌ عَلَيْهِ لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ فُرِضَتِ الْبِدْعَةُ مِنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَكْرُوهَةً. هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِ حُكْمِهَا، فَإِذَا أَعْلَنَ بِهَا - وإنْ لَمْ يدْعُ إِلَيْهَا - فَإِعْلَانُهُ بِهَا ذريعة إلى الاقتداء به.

٢- وأمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَعَدَمِهَا فَظَاهَرٌ أَيْضًا، لأنَّ غَيْرَ الدَّاعِي وإنْ كَانَ عُرضة بِالِاقْتِدَاءِ فَقَدْ لَا يُقتدى بِهِ، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي تَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ خَامِلَ الذِّكْرِ، وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَهِرًا وَلَا يُقتدى بِهِ، لِشُهْرَةِ مَنْ هُوَ أعظم عند الناس منزلة منه.

وأمَّا الداعي إِذَا دَعَا إِلَيْهَا فَمَظِنَّةُ الِاقْتِدَاءِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَلَا سِيَّمَا المُبتَدِع اللَّسِنِ الْفَصِيحِ الْآخِذِ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ، إِذَا أَخَذَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَأَدْلَى بشبهته التي تداخل القلب بِزُخْرُفِها.


(١) أوردت هذا ها هنا لأنَّ المصنِّف أورده في الشرح كما سيأتي.