للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما أشبه ذلك.

فَالْمُرْتَكِبُ لِلْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ أنْ يُقَالَ فِيهِ مُخَالِفٌ وَلَا عَاصٍ، مَعَ أنَّ الطَّاعَةَ ضِدُّهَا المعصية، فَإِذَا اعْتَبَرْتَ الضِّدَّ لَزِمَ أنْ يَكُونَ فَاعِلُ الْمَكْرُوهِ عَاصِيًا لأنَّه فَاعِلٌ مَا نُهي عَنْهُ، لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَاصٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ فَاعِلُ الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ ضَالًّا، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ الضِّدِّ فِي الطَّاعَةِ وَاعْتِبَارِهِ فِي الْهُدَى، فَكَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَفْظُ الضَّلَالَةِ، فَكَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ، وَإِلَّا فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَفْظُ الضَّلَالَةِ، كَمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ لَفْظُ المعصية.

وَالْجَوَابُ: أنَّ عُمُومَ لَفْظِ الضَّلَالَةِ لِكُلِّ بِدْعَةٍ ثابت، وَمَا الْتَزَمْتُمْ فِي الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ غَيْرُ لَازِمٍ، فإنَّه لَا يَلْزَمُ فِي الْأَفْعَالِ أنْ تَجْرِيَ عَلَى الضِّدِّيَّة الْمَذْكُورَةِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِ، فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ضِدَّانِ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، وإنَّما يَتَعَلَّقُ بِهَا التخيير.

وإذا تأملنا المكروه وَجَدْنَاهُ ذَا طَرَفَيْنِ: طَرَفٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ منهيٌّ عَنْهُ؛ فَيَسْتَوِي مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَقِ النَّهْيِ، فَرُبَّمَا يُتوهم أنَّ مُخَالَفَةَ نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ معصيةٌ مِنْ حَيْثُ اشْتَرَكَ مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ.

غَيْرَ أنَّه يَصُدُّ عَنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ الطَّرَفَ الْآخَرَ، وَهُوَ أنْ يُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَاعِلِهِ ذَمٌّ شَرْعِيٌّ وَلَا إِثْمٌ وَلَا عِقَابٌ، فَخَالَفَ الْمُحَرَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَشَارَكَ الْمُبَاحَ فِيهِ، لأنَّ الْمُبَاحَ لَا ذَمَّ عَلَى فَاعِلِهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا عِقَابَ، فَتَحَامَوْا أنْ يُطْلِقُوا عَلَى مَا هَذَا شَأْنُهُ عِبَارَةَ الْمَعْصِيَةِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَوَجَدْنَا بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَاسِطَةً يَصِحُّ أنْ يُنْسَبَ