للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأجر على قدر منفعة العمل لا على

قدر المشَّقة فقط

(ومما ينبغي أن يُعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق، حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا! ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله؛ فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل، فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل.

ولهذا لما نذرت أخت عقبة بن عامر أن تحج ماشية حافية؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها، مرها فلتركب)) (١) ، وروي: أنه أمرها بالهدي، وروي بالصوم. وكذا حديث جويرية في تسبيحها بالحصى أو النوى، وقد دخل عليها ضحى ثم دخل عليها عشية، فوجدها على تلك الحال، وقوله لها: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت)) (٢) .

وأصل ذلك أن يعلم العبد أن الله لم يأمرنا إلا بما فيه صلاحنا، ولم ينهنا إلا عما فيه فسادنا، ولهذا يثني الله على العمل الصالح، ويأمر بالصلاح


(١) رواه أحمد في ((المسند)) (٤ / ١٤٣) ، والترمذي في (الأيمان والنذور، باب ما جاء في كراهة الحلف بغير ملة الإسلام، ١٤٦٤) ؛ بلفظ: ((إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً ... )) ، وأصله في ((البخاري)) (كتاب الحج، باب المدينة تنفي الخبث، ١٨٦٦) ، ومسلم في (النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، ١٦٤٤) .
(٢) رواه مسلم في (الذكر والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، ٢٧٢٦) .

<<  <   >  >>