للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هم أهل الحديث

(ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته؛ بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهراً وباطناً، واتباعه باطناً وظاهراً، وكذلك أهل القرآن.

وأدنى خصلة في هؤلاء: محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبهما؛ ففقهاء الحديث أخبر بالرسول من فقهاء غيرهم، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم، وعامتهم أحق بموالاة الرسول من غيرهم ...

وإذا تدبر العاقل وجد الطوائف كلها كلما كانت الطائفة إلى الله ورسوله أقرب كانت بالقرآن والحديث أعرف وأعظم عناية، وإذا كانت عن الله وعن رسوله أبعد كانت عنهما أنأى، حتى تجد في أئمة علماء هؤلاء من لا يميز بين القرآن وغيره، بل ربما ذكرت عنده آية، فقال: لا نسلم صحة الحديث، وربما قال لقوله عليه السلام كذا، وتكون آية من كتاب الله، وقد بلغنا من ذلك عجائب، وما لم يبلغنا أكثر ...

وحدثني ثقة أنه تولى مدرسة مشهد الحسين بمصر بعض أئمة المتكلمين رجلٌ يسمى شمس الدين الأصبهاني شيخ الأيكي، فأعطوه جزءً من الربعة، فقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ. ألمص} ؛ حتى قيل له: ألف لام ميم صاد.

فتأمل هذه الحكومة العادلة ليتبين لك أن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة منافقون بلا ريب، ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن ((ابن أبي قتيلة)) أنه ذكر عنده أهل الحديث بمكة، فقال: قوم

<<  <   >  >>