للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتفلسفة الصابئة الذين أدخلوا في ملتهم وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.

فلهذا ذكرنا ما ذكرناه؛ حفظاً لهذا الدين عن إدخال المفسدين، فإن هذا مما يُخاف تغييره، فإنه قد كانت العرب في جاهليتها قد غيرت ملة إبراهيم بالنسيء الذي ابتدعته، فزادت به في السنة شهراً جعلتها كبيساً لأغراض لهم، وغيروا به ميقات الحج والأشهر الحرم حتى كانوا يحجون تارة في المحرم وتارة في صفر، حتى يعود الحج إلى ذي الحجة؛ حتى بعث الله المقيم لملة إبراهيم، فوافى حجه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، وقد استدار الزمان كما كان، ووقعت حجته في ذي الحجة، فقال في خطبته المشهورة في ((الصحيحين)) وغيرهما: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب مضر بين جمادى وشعبان)) (١) ، وكان قبل ذلك الحج لا يقع في ذي الحجة، حتى حجة أبي بكر سنة تسع كان في ذي القعدة، وهذا من أسباب تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج، وأنزل الله تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِنْدَ اللهِ اثنا عَشَرَ شَهْراً في كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} (٢) .

فأخبر الله أن هذا هو الدين القيم؛ ليبين أن ما سواه من أمر النسيء وغيره من عادات الأمم ليس قيماً لما يدخله من الانحراف والاضطراب.

ونظير الشهر والسنة اليوم والإسبوع؛ فإن اليوم طبيعي من طلوع


(١) رواه البخاري في (بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين، ٣١٩٧، وفي المغازي، باب حجة الوداع، ٤٤٠٦) ، ومسلم في (القسامة والمحاربين، باب تغليظ تحريم الدماء، ١٦٧٩) ؛ من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(٢) التوبة: ٣٦.

<<  <   >  >>