للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ثبت في ((صحيح مسلم)) عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بشاهدٍ ويمين (١) . رواه الترمذي وابن ماجه من حديث جابر، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة، وهذه الأحاديث أصح وأشهر ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب، وابن عباس الذي يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قضى باليمين مع الشاهد، وأن هذا قضى به في دعاوى وقضى بهذا في دعاوى.

وأما الحديث المشهور في ألْسِنة الفقهاء ((البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر)) (٢) ؛ فهذا قد روي أيضاً؛ لكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أهل السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الملة؛ إلا طائفة من فقهاء الكوفة مثل أبي حنيفة وغيره؛ فإنهم يرون اليمين دائماً في جانب المنكر، حتى في القسامة يحلفون المدعى عليه ولا يقضون بالشاهد واليمين، ولا يرون اليمين على المدعي عند النكول، واستدلوا بعموم هذا الحديث.

وأما سائر علماء الملة من أهل المدينة ومكة والشام وفقهاء الحديث وغيرهم؛ مثل ابن جريج، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم؛ فتارة يحلفون المدعي، وتارة يحلفون المدعى عليه، كما جاءت بذلك سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والأصل عند جمهورهم أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، والبينة عندهم اسم لما يبين الحق، وبينهم نزاع في تفاريع ذلك؛ فتارة يكون لوثاً مع أيمان القسامة، وتارة يكون شاهداً ويميناً، وتارة يكون دلائل غير الشهود


(١) انظر: ((صحيح مسلم)) (كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد، ١٧١٢) .
(٢) [حسن] . رواه البيهقي في ((السنن)) (١٠ / ٢٥٢) . وحسن إسناده الحافظ في ((الفتح)) (٥ / ٢٨٣) . وفي ((صحيح البخاري)) و ((مسلم)) بلفظ: ((اليمين على من ادعى عليه)) .

<<  <   >  >>