للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكاد النصر يتحقق للمسلمين، لولا أن الرماة على ظهر الجبل خالفوا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وانحدروا يجمعون الغنائم، وفارقوا مكانهم.

ففطن خالد بن الوليد لمكان الضعف، فبادر من قناة مع خيل المشركين إلى تطويق المسلمين من أعلى جبل الرماة من الخلف، وانقض مع جيشه يفتك بالمسلمين، وشاع بين الناس أن محمدا قد قتل، فتراجع المسلمون، وهربوا، وأصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة، حتى وقع لشقه، فكسرت رباعيته، وشج في رأسه، وجرحت شفته، وسال الدم على وجهه، وغاب حلق المغفر في وجنتيه، وأصيبت ركبتاه،

وجعل يمسح الدم ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم؟!» وأخذ بيده علي ورفعه طلحة حتى قام، ومص مالك بن سنان الدم عن وجهه صلّى الله عليه وسلّم وابتلعه.

ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو المسلمين في أخراهم، ويقول: «إليّ عباد الله، أنا رسول الله: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ، فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران ١٥٣/ ٣].

وصار أبو سفيان يقول: يا معشر قريش، أيكم قتل محمدا؟ فقال عمر بن قميئة: أنا قتلته. وكان كعب بن مالك أول من بشر بنجاة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وسلمه الله من أذى المشركين: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [المائدة ٦٧/ ٥]. ولم يقتل صلّى الله عليه وسلّم في حياته سوى أبي بن خلف الذي تآمر على قتل النبي وفيه نزلت آية: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، وَلكِنَّ اللهَ رَمى} [الأنفال ١٧/ ٨].

وكان يوم بلاء شديد على المسلمين، استشهد فيه منهم سبعون رجلا، وعدة قتلى المشركين اثنان وعشرون رجلا.

ووجد في ساحة المعركة حمزة سيد الشهداء، وكانت هند بنت عتبة قد بقرت كبده ولاكتها، ولم تستسغها، وصرخ أبو سفيان بأعلى صوته: الحرب

<<  <  ج: ص:  >  >>