للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء، ودحيت بعد ذلك، فلا تعارض، كما ذكر ابن جزي. لكن قال ابن كثير: هذه الآية (أي ٢٩ من البقرة) دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء، كما قال في آية السجدة [فصلت ٩/ ٤١ - ١٠]: {قُلْ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..}. الآية، فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء، إلا ما نقله ابن جرير الطبري عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لآية: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} (١) [النازعات ٣٠/ ٧٩].

ونبهت آية {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ} على القدرة الإلهية المهيئة للأرض من أجل نفع الإنسان وتحقيق مصلحته ورعاية حاجة الخلق، وعاتب الله تعالى الكفار على جهالتهم بما في الأرض وتصريف المخلوقات (٢)، كما قال تعالى:

{أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً، ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها، فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ، سَواءً لِلسّائِلِينَ} [فصلت ٩/ ٤١ - ١٠]، فالمراد بالآية الاعتبار والاتعاظ‍ بدليل ما قبلها وما بعدها من الإحياء والإماتة والخلق والاستواء إلى السماء وتسويتهن.

ولكن وإن كان الهدف الأصلي من إيراد الآية هو ما ذكر، فقد استدل بها علماء الأصول أيضا على أن «الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي دليل الحظر» (٣)، أي أن الأصل إباحة الانتفاع بكل ما خلق الله في الأرض، حتى يأتي


(١) انظر تفسير الطبري: ١٥٢/ ١ وما بعدها، تفسير القرطبي: ٢٥٥/ ١ وما بعدها، تفسير ابن كثير: ٦٨/ ١
(٢) أحكام القرآن لابن العربي: ١٤/ ١، تفسير الرازي: ١٥٤/ ٢
(٣) تفسير القرطبي: ٢٥١/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>