للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه، فقد توفي موسى وعيسى عليهما السّلام، وقتل زكريا ويحيى عليهما السّلام، ومع هذا ظلّت ديانتهم كما هي، وأتباعهم متمسكون بها، فعليكم الثبات على الدين والمبدأ كما كنتم ولو مات أو قتل، فالرّسول بشر كسائر الأنبياء، له مهمة تنتهي بانتهاء أجله، فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيّ باق لا يموت.

ثم أنكر الله تعالى على من حصل له ضعف بأن من يرجع عن دينه والجهاد في سبيل الله ومقاومة الأعداء، فلن يضرّ الله شيئا بما فعل، بل يضرّ نفسه.

وسيجزي الله الشاكرين نعمه الذين قاموا بطاعته، وقاتلوا عن دينه، واتّبعوا رسوله حيّا وميّتا بأن يمنحهم من فضله ورحمته في الدّنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم. وكانت هذه تمهيدا لموت النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وتذكيرا لأمثال عمر رضي الله عنه. وهذا يعني أن المصائب التي تحلّ بالإنسان لا مدخل لها في كونه على حق أو باطل.

قال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك في ساعة اشتداد الأزمة على المسلمين في أحد، وحين شاع بين الناس أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، وظهر على لسان بعض ضعفاء المؤمنين: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبيّ، فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وقال بعض المنافقين: إن كان محمد قد قتل، فالحقوا بدينكم الأول، قال: «إن كان محمد قد قتل، فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه».

ثم قال: «اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء»، ثم شدّ بسيفه، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه (١).

وقال البخاري: عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أنّ أبا بكر


(١) تفسير القرطبي: ٢٢١/ ٤، تفسير ابن كثير: ٤١٣/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>