للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان جزاؤكم غمّا بغمّ، والغم الأول: إلحاق الهزيمة وحرمان الغنيمة والقتل بالصحابة، والغم الثاني الذي سبّب الغم الأول: هو ما حدث للنبي صلّى الله عليه وسلّم من ألم وضيق بسبب عصيانكم أمره، ومخالفتكم رأيه. وهذا أرجح الأقوال كما قال ابن جرير الطبري.

وقد فعل بكم ذلك كله لتتمرنوا على الشدائد، وتتعودوا احتمال المكاره، فإنها تصقل الأمم والأفراد، ولئلا تحزنوا على ما فاتكم من المنافع والمغانم، ولا على ما أصابكم من المضارّ من عدوكم، كالجراح والقتل، والله خبير بأعمالكم، فمجازيكم عليها، إذ العمل سبب النجاح والظفر، وتكميل الإيمان والتحلي بالفضائل. وفي هذا ترغيب بالطاعة وزجر عن المعصية.

ثم ذكر الله تعالى ما امتنّ به على عباده من بعد الغم الذي اعتراهم، وهو إنزال السكينة والأمن (١) وهو النعاس الذي غشيهم وغلبهم، وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان، ليستردوا ما فقدوه من القوة، وما عرض لهم من الضعف، كما قال في سورة الأنفال في قصة بدر {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال ١١/ ٨]. قال أبو طلحة: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط‍ سيفي من يدي مرارا، يسقط‍ وآخذه، ويسقط‍ وآخذه (٢). وروى البخاري أيضا في التفسير عن أبي طلحة قال: غشينا النعاس، ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط‍ من يدي وآخذه، ويسقط‍ وآخذه (٣).

وكان النعاس يغشى طائفة من الناس-والطائفة: تطلق على الواحد


(١) الأمن والأمنة سواء.
(٢) هكذا رواه البخاري في المغازي معلقا.
(٣) ورواه أيضا الترمذي والنسائي والحاكم بلفظ‍ مقارب.

<<  <  ج: ص:  >  >>