للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنجاهم من آل فرعون، وجعل منهم أنبياء، وأنزل عليهم المن والسلوى، وفجّر لهم من الحجر الماء، واستودعهم التوراة التي فيها صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم ونعته ورسالته (١)، والنعم على الآباء نعم على الأبناء، لأنهم يشرفون بشرف آبائهم وكانت النعم سببا في بقائهم. والتذكير بكثرة النعم يوجب الحياء عن إظهار المخالفة، ويوجب عظم المعصية، ويستدعي الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن.

وألزمهم الوفاء بالعهد: وهو عام في جميع أوامره تعالى ونواهيه ووصاياه، ويدخل في ذلك الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي ذكر في التوراة وغيرها، فإذا وفّوا بعهودهم، وفي الله لهم عهده: وهو أن يدخلهم الجنة، على سبيل التفضل والإنعام.

وما طلب من اليهود من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا، قال الله تعالى:

{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة ١/ ٥] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ} [النحل ٩١/ ١٦].

وأمرهم بخشية الله وحده والإيمان (التصديق) بما أنزل الله وهو القرآن، ونهاهم عن أن يكونوا أول من كفر، وألا يأخذوا على آيات الله ثمنا، أي على تغيير صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم رشى، وكان الأحبار يفعلون ذلك، فنهوا عنه.

وقد أثار العلماء في هذه الآية (٤١) ونحوها مسألة أخذ الأجرة على تعليم القرآن (٢)، فمنع ذلك الزهري وأصحاب الرأي، وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب


(١) تفسير الرازي: ٣٣/ ٣ وما بعدها، قال بعض العارفين: عبيد النعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إسرائيل بنعمه عليهم، ولما آل الآمر إلى أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم ذكرهم بالمنعم فقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة ١٥٢/ ٢] فدل ذلك على فضل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم على سائر الأمم.
(٢) تفسير القرطبي: ٣٣٥/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>