للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على دينه، فنزلت: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}.

المناسبة:

بعد أن أوعد الله أهل الكتاب وهددهم على الكفر إن لم يؤمنوا، وأعلن أن الوعيد نافذ المفعول، بيّن هنا أن هذا الوعيد على الكفر أو الشرك، فأما سائر الذنوب فقابلة للغفران.

التفسير والبيان:

أخبر الله تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، والمراد بالشرك هنا مطلق الكفر الشامل لكفر اليهود وغيرهم، ويغفر ما دون ذلك من الذنوب لمن يشاء من عباده. ومن أشرك بالله فقد ارتكب ذنبا كبيرا.

قال الطبري: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة، ففي مشيئة الله تعالى: إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. وقال بعضهم: قد بيّن الله تعالى ذلك بقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} فأعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، ولا يغفرها لمن أتى الكبائر. والظاهر لدي هو قول الطبري.

وهذه الآية مخصصة لقوله تعالى: {قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا..}.:

اخرج ابن المنذر عن أبي مجلز قال: لما نزل قوله تعالى: {قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر ٥٣/ ٣٩]، قام النّبي صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فتلاها على الناس، فقام إليه رجل فقال: والشرك بالله، فسكت، ثم قام إليه فقال:

يا رسول الله، والشرك بالله تعالى، فسكت مرّتين أو ثلاثا، فنزلت هذه الآية.

أخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>