للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودلّ سبب النزول المتقدم عن علي على مشروعية القصر للمسافر، قال القرطبي: فإن صحّ هذا الخبر فليس لأحد معه مقال، ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن. وقد روي عن ابن عباس أيضا مثله، قال: إن قوله تعالى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} نزلت في الصلاة في السفر، ثم نزل: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في الخوف بعدها بعام. فالآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين، فقوله: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ.}. يراد به في السفر؛ وتمّ الكلام، ثم ابتدأ فريضة أخرى، فقدّم الشرط‍، والتقدير: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، والواو زائدة، والجواب: {فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}. وقوله: {إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً} اعتراض (١).

وقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ظاهره التخيير بين القصر والإتمام، وأن الإتمام أفضل (٢)، وإلى التخيير ذهب الشافعي، وروي عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أتمّ في السفر،

وعن عائشة رضي الله عنها فيما رواه الدارقطني: «اعتمرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي: قصرت وأتممت، وصمت وأفطرت؟ فقال: أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ». وكان عثمان رضي الله عنه يتمّ ويقصر.

وعند أبي حنيفة رحمه الله: القصر في السفر عزيمة غير رخصة، لا يجوز غيره. بدليل قول عمر رضي الله عنه: «صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم»، وقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه أحمد: «أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرّت في السفر، وزيدت في الحضر».


(١) تفسير القرطبي: ٣٦١/ ٥ وما بعدها.
(٢) الكشاف: ٤٢٠/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>